النصب والاحتيال، والغش والخداع، وجوه متعددة لهدف واحد هو التلاعب بالآخرين، واستغلال حاجاتهم الشخصية بأبشع الصور والاشكال، لتحقيق أغراض نفسية دنيئة، أو مكاسب مادية أنانية.
وقد ظهرت أول عملية نصب في تاريخ البشرية منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان، وذلك عندما أغوى الشيطان سيدنا آدم وزوجته حواء عليهما السلام، وزين لهما مخالفة أوامر الله سبحانه وتعالى، واحتال عليهما فأغراهما بالخلود الأبدي، والملك الذي لا ينقضي.
قال تعالى: (فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ـ طه: 120).
لتبدأ بعدها سلسلة طويلة لانهائية من عمليات النصب والاحتيال، في كل زمان ومكان، بوسائل شتى، وأساليب قد لا تخطر على بال. وللنصب أشكال كثيرة، وطرق عديدة منها:النصب العاطفي من خلال التلاعب بالمشاعر والأمنيات، والنصب السياسي بالاحتيال على الشعوب والجماعات، والنصب المالي بخيانة الأمانات، والنصب القانوني بالتلاعب بالقوانين وإيجاد الثغرات، والنصب التجاري بالغش واختطاف الأقوات، والنصب الإعلامي بتزييف الحقائق والمعلومات، والنصب التعليمي ببيع النجاح وأحلام الشهادات، والنصب الإداري بالتجاوزات والاختلاسات، والنصب الطبي بالضحك على ذوي الأمراض والعلات، والنصب الاقتصادي بتبديد الثروات.
وينجح المحتالون في مسعاهم باستغلال الحاجات الإنسانية، والرغبات الكامنة في النفوس البشرية، عبر السيطرة على مشاعر وعقل الضحية، وتقديم الوعود الكاذبة، والحلول السحرية لكل المشاكل الأزلية.
وقد ساهمت وسائل التكنولوجيا المتطورة وشبكة الانترنت في زيادة جرائم النصب والاحتيال بمختلف أنواعها في جميع أنحاء العالم، وذلك نظرا لعدم وجود الوعي الكافي لدى أفراد المجتمع بهذه الجرائم، فضلا عن جهل الكثيرين بالتقنيات الحديثة التي يستخدمها المحتالون، مما يساعد على صعوبة كشفهم بسهولة، بالإضافة إلى ضعف العقوبات القانونية على هذا النوع من الجرائم.
أما عن الآثار السلبية للنصب والاحتيال على الجوانب المختلفة للحياة، فيستعرض الباحث عبدالعزيز الشبرمي في دراسة له بعنوان: «جريمة النصب والاحتيال ـ الأسباب والمظاهر والعلاج مع نماذج تطبيقية ـ بتصرف ـ بعض تلك الآثار الخطيرة فيقول: «في الجانب الاجتماعي:فهو يؤدي إلى تبدل المعايير، ليكون معيار المجتمع وشعاره المداهنة، والنفاق الاجتماعي والتدليس.وعلى الجانب التنظيمي: فقدان ثقة المواطن بالأنظمة الرسمية، وتصريحات المسؤولين، وعدم الالتزام بالقوانين واللوائح، لثبوت عدم جدواها في محاربة النصابين والمحتالين، واختفاء الأجهزة الرقابية والوسيطة بين المجتمع والحكومة. وفي الجانب الاقتصادي: عدم استقرار المناخ الاقتصادي للدولة، وعرقلة التنمية، من خلال الاستيلاء على السيولة النقدية، وتشويه وتحجيم النشاط التجاري، وصعوبة جذب الاستثمارات الأجنبية، لعدم الثقة بالاستثمارات الداخلية». كما يذكر لنا «الشبرمي» بعض الطرق والوسائل للحد من جرائم النصب والاحتيال في المجتمع وأهمها: «توعية جميع شرائح المجتمع بخطر هذه الجرائم وآثارها عبر وسائل الإعلام المتنوعة، وإيجاد جهات رقابية مأمونة تشرف على المشاريع الاقتصادية في الدولة، مع ضرورة تقوية الوازع الديني والأخلاقي لدى أفراد المجتمع، والتأكيد على دور المدرسة والأسرة في تربية الأبناء على الأخلاق الفاضلة، واحترام حقوق الآخرين، والحرص على أموالهم وممتلكاتهم، مع أهمية سن العقوبات الرادعة، والقوانين المشددة على هذه الجرائم، نظرا لآثارها المدمرة على الفرد والمجتمع».
واختتم بالقول: ان النصب والاحتيال كالاخطبوط الخطير، الذي تسللت أذرعه إلى كل مناحي حياتنا، فلنبادر بقطع تلك الأذرع قبل أن تحطم مجتمعاتنا.
زاوية أخيرة: قال ابن القيم رحمه الله: «شاهد الناس عيانا أنه من عاش بالمكر مات بالفقر، وقد اطردت سنته الكونية سبحانه وتعالى في عباده بأن: من مكر بالباطل مكر به، ومن احتال احتيل عليه، ومن خادع غيره خدع».
[email protected]