دلال مدوه
يُحكى أن قرية تعرضت لمجاعة شديدة، فطلب الحاكم من الناس طلبا غريبا كمحاولة منه لمواجهة هذه الكارثة، حيث أصدر قرارا بوضع قدر كبيرة جدا في وسط القرية، وأمر السكان بأن يقوم كل رجل وامرأة بسكب كوب من اللبن في القدر، بشرط أن يفعل ذلك ليلا دون أن يراه أحد.
فهرع الناس لتلبية طلب الحاكم، وتسلل كل منهم ليلا الى القدر، ليسكب ما يحمله في كوبه، وفي الصباح فتح الحاكم القدر ليجد انه ملء بالماء وليس هناك اي اثر للبن.
فماذا حدث؟ ولماذا وجد الحاكم الماء بدل اللبن؟
المسألة باختصار ان كل شخص من أهل القرية حدث نفسه قائلا: اذا وضعت كوبا واحدا من الماء فلن يؤثر ذلك على كمية اللبن الكبيرة التي سيضعها باقي أهالي القرية، وهذا يعني ان كلا منهم اعتمد على غيره في حل المشكلة، وفكر بنفس الطريقة الأنانية التي فكر بها الآخرون، وظن انه الوحيد الذي سكب الماء بدل اللبن، فكانت النتيجة ان عم الجوع القرية، ومات الكثير من السكان الذين لم يجدوا ما يعينهم على الصمود في هذه الأزمة.
وهذا ما حدث في مجتمعنا للأسف فقد بات أغلبنا يملأ كوبه بالماء في الوقت الذي يجب ان يملأه باللبن، واعتقدنا بأن ما نفعله نحن لن يؤثر على بلادنا، فهناك غيرنا من سيعالج الوضع، وهكذا وجدنا أمورنا اختلت، وأحوالنا اضطربت، ومشاكلنا زادت ووصلت الى ما نحن عليه الآن.
إذن ما الحل؟ انه يكمن في تحمل المسؤولية، واتخاذ القرار الصائب، فعلينا ان نبعد عن الاتكالية وتحميل الآخرين لأخطائنا، وألا نبحث عن شماعات متعددة لنعلق عليها فشلنا في مواجهة أزماتنا، وان ندرك ان ما حدث لنا كان نتيجة قراراتنا التي اتخذناها، أو تلك التي ماطلنا وسوفنا في ايجاد حلول لها فتركناها لعل الأيام تحلها.
فلنكن على يقين بأن مشاكلنا إذا لم نحلها نحن بأنفسنا فلن يأتي غيرنا ليحلها لنا، فالكل مشغول بمشاكله ولا وقت لديه لمشاكل الآخرين.
ولو أتى على سبيل المثال ذلك الغير ليمنحنا الحل السحري الذي ننتظره فما هو الثمن الذي سندفعه؟
لذا يجب ان نبدأ بواقعنا الذي نعيشه، وليحاول كل منا في مكانه إصلاح ما هو قادر عليه بمنتهى الإخلاص، حينها ستتحد دوائر الإنجازات الصغيرة لتكون دائرة الإصلاح الكبيرة.
زاوية أخيرة:
قال الإمام الأوزاعي: «إذا أراد الله بقوم شرا فتح عليهم باب الجدل وسد عنهم باب العلم والعمل».
إذن لنترك الجدل العقيم جانبا فلا طائل من ورائه سوى ضياع الوقت والجهد، ولنقم بالعمل الجاد فأمامنا الكثير لننجزه حتى نلحق بمن سبقنا.