دلال مدوه
من المعروف أن القمة تكون في أعلى الجبل لذا نسمع مقولة «الصعود للقمة» ولأن القاع مكانه في أسفل البحر نسمع مقولة «النزول للقاع».
ولكن هل يمكن ان نستخدم الكلمات بشكل مختلف فنقول: النزول للقمة؟ اعتقد انه يمكننا ان نقول ذلك ربما في حالة واحدة، وهي عندما نتأمل قول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ): «من تواضع لله رفعه»، ذلك أن التواضع عكس الكبر، والمتكبر يرى نفسه فوق الناس، وأعلى من كل شيء، ويظن انه يجلس على قمة العالم، وهو في حقيقة الأمر مدفون في أدنى نقطة تحت الأرض، واني أتساءل لماذا نتكبر ونطأ الناس بأحذيتنا؟ فهل نحن أفضل من سيد الخلق ( صلى الله عليه وسلم ) الذي كان أكثر الناس تواضعا، وخيره الله سبحانه وتعالى بين ان يكون عبدا رسولا، أو ملكا رسولا، فاختار ان يكون عبدا رسولا، تواضعا لله عز وجل؟
وربما يتساءل البعض عن أهمية التواضع في حياتنا، وهل يمكن ان يكون العالم مكانا أفضل حينما نتواضع؟ وهل سيتغير العالم حينما يتواضع شخص واحد؟ ويجيب على هذه التساؤلات الكاتب «هال ايربان» في كتابه «قرارات تغير حياتك» فيقول: «حينما نزداد تواضعا نبتعد عن التركيز في أنفسنا، وبالتبعية نكون اشخاصا أفضل، ونصبح أشد عطفا ورعاية للغير، كما ان حياتنا تتحسن وحياة من حولنا، ولقد تعلمت درسا: كن متواضعا وإلا تعرضت للإذلال».
أي ان تواضعنا لا يؤثر علينا فقط بل ان تأثيره ينعكس على الآخرين كذلك، مما يساهم في تغييرهم ايضا فتمتد دائرة التأثير وتكبر شيئا فشيئا، كما يحدث حينما نلقي حجرا في الماء، ولكننا اذا كابرنا وتكبرنا نبذنا المجتمع وكرهنا الناس فأي ذل أكثر من ذلك؟
واذا تأملنا صفحات التاريخ وجدنا ان أعظم الناس قد ساد الناس بتواضعه، وأسوأ الناس قد داسه الناس لتكبره، ولكن لماذا زاد انتشار الغرور والكبر بين الناس في هذا الزمان رغم انه خلق مذموم في أغلب المجتمعات؟ ويجيبنا مرة اخرى «هال ايربان» في كتابه عن هذا السؤال مستعرضا أهم التغيرات التي حدثت في المجتمع مسببة ذلك فيقول: «تغلغل الإعلام في حياتنا زاد من سهولة التأثير علينا بمبررات هائلة تسهم في تفخيمنا لذواتنا، والاتجاه الجديد في الإعلان حثنا على ان نقدس الذات، وتمجيد رجال الأعمال في أنفسهم وأساليب حياتهم، وما يسهم به نجوم ومشاهير عالم الترفيه والرياضة من رسائل موجهة الى أفراد المجتمع، وقد اكتشف المشاهير ان المبالغة في التباهي والتبجح تجلب المزيد من الانتباه الإعلامي، فنرى ونسمع العديد من المشاهير الذين يمارسون الدعاية العلنية لأنفسهم، فأولئك هم نجوم المجتمع ومحور اعجابه، ووسائل الإعلام لا تتوقف عن ملاحقتهم لأنهم أفضل الأفضل، فلما لا نحاول ان نكون مثلهم، فالمقصود من هذا اننا بحاجة للمزيد من التبجح والكبر حتى ننجح في حياتنا» لكنه في النهاية يرسم لنا صورة متفائلة للمستقبل فيقول: «إن توجهات البشر تتغير، واننا سنعود في النهاية الى الأساسيات، أي الى الفضائل المترسخة التي تمنحنا الاستقرار، والتواصل مع الآخر، وراحة البال، وستظل الشخصية الفاضلة حجر الزاوية للإنسان الفاضل والمجتمع الفاضل، وبوسعنا ان نعد التواضع أساس كل فضيلة».
وختاما لنتذكر ان الله عز وجل قد يبغضن المتكبرين وقد توعدهم بالعذاب فقال تعالى:(أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ـ الزمر 60) ومدح المتواضعين وبشرهم بخير الجزاء فقال تعالى: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ـ القصص 83).
زاوية أخيرة:
إذا أردنا أن نعلو ونرتقي في حياتنا، فعلينا أن ننزل عن سحابة الكبر لنحط على قمة التواضع.