تبادر إلى ذهني السؤال السابق مصادفة، لأقول بيني وبين نفسي لابد أن يكون السؤال لسبب ما، ولو كان لغير ذلك لأصبح نوعا من العبثية التي لا تنتهي إلى هدف واضح، والفضول الغبي الذي لا يؤدي إلى نتيجة محددة، وضياعا لوقت ثمين نحن بأمس الحاجة إليه.
لماذا نسأل؟ سؤال هام ولابد أن تكون إجابته هامة أيضا.
لنأخذ في هذه اللحظة أي سؤال؟ يقفز إلى أذهاننا، ونتابع المسير معه في داخل عقولنا، لنعرف إلى أين سيأخذنا؟ ولكن قبل بداية رحلتنا تلك، نسمع صوتا غريبا يتردد صداه في رؤوسنا قائلا: سأكفيكم عناء الرحلة والبحث لأني أعرف الإجابة، فنتساءل بلهفة شديدة وترقب كبير: وما هي؟ فيجيبنا بحماس شديد: إننا نسأل لكي نعرف.. إنها المعرفة أيا كان نوعها، أو حجمها، أو شكلها.. إننا نسأل حتى نشبع الفضول بداخلنا.
والسؤال هو مفتاح العلم، وهو الذي قادنا إلى ملايين الاختراعات والاكتشافات العلمية.
ولولا السؤال لما تغير الحال، ولا بلغنا المنال.
لذا دعونا نتساءل أولا ما هي المعرفة؟
ان «المعرفة»وفقا لما ذكر في موسوعة «ويكيبيديا»: «هي الوعي، وفهم الحقائق، أو اكتساب المعلومة عن طريق التجربة، أو من خلال تأمل النفس، أو من خلال الاطلاع على تجارب الآخرين وقراءة استنتاجاتهم، والمعرفة مرتبطة بالبديهة، واكتشاف المجهول».
وإذا تأملنا التعريف السابق وجدنا أنه أشتمل على العديد من المعاني التي حضنا عليها الإسلام، وذكرها الله سبحانه وتعالي في كتابه الكريم، فكانت أولي آياته التي أنزلها على رسوله صلى الله عليه وسلم تدعونا إلى طلب العلم والمعرفة فقال تعالي: (اقرأ باسم ربك الذي خلق ـ العلق:1).
وجاءت الحكمة الربانية في تنزيل الكثير من الآيات الكريمة بصيغة سؤال؟ دون جواب لتستثير حواسنا، وتحفز عقولنا على التفكر والتدبر في الكون بكل ما فيه، كما حثنا نبينا المصطفي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث بالسعي لطلب العلم.
إذن فموقف الإسلام من المعرفة، موقف واضح وجلي لا شائبة فيه، وفي هذا الصدد يقول الكاتب أحمد الشرقاوي: «إن العلم يهدى إلى الإيمان ويقوي دعائمه، والإيمان يدعو إلى العلم ويرغب فيه، هذه العلاقة الوثيقة لا نجدها في غير الإسلام».
ومازال الإسلام يحثنا على التأمل في أنفسنا، وكل ما حولنا من ظواهر، وكائنات، ومخلوقات، لنصل إلى جوهر المعرفة، والحقيقة المشرقة التي توصل إليها أعرابي بسيط يعيش في الصحراء فقال: «يا سبحان الله، إن البعر ليدل على البعير، وان أثر الأقدام ليدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير»؟
أخيرا نصل إلى أن السؤال هو طريق المعرفة، والعلم هو سبيلنا للوصول إليها، وما إن نحصل عليها، حتى نمتلك الإيمان الراسخ، الذي يصلنا بالله سبحانه وتعالي.
زاوية أخيرة:
قال الغزالي رحمه الله تعالى «كثر الحث في كتاب الله تعالى على التدبر والاعتبار والنظر والافتكار، ولا يخفى أن الفكر هو مفتاح الأنوار ومبدأ الاستبصار، وهو شبكة العلوم، ومصيدة المعارف والفهوم، وأكثر الناس قد عرفوا فضله ورتبته، ولكن جهلوا حقيقته وثمرته ومصدره».
[email protected]