هل يمكن أن نعيش حياة أخرى مختلفة عن حياتنا الحالية؟ وهل يمكن أن نبتعد عن واقعنا الآن لنحيا في واقع آخر نصنعه بأنفسنا؟
إن فكرة الرغبة في الحياة في عالم خيالي ليست موجودة سوى في أذهاننا، مسألة استغلتها شركة «ليندن لاب» الأميركية فابتدعت «الحياة الثانية»، وهي عبارة عن عالم خيالي بالأبعاد الثلاثية، يوازي العالم الحقيقي، ويسمح للناس بالهروب من الواقع الذي يعيشونه إلى عالم افتراضي موجود على شبكة الانترنت، حيث يقوم الراغبون في خوض هذه التجربة الجديدة بتسجيل بياناتهم، ودفع رسوم رمزية، ومن ثم تنزيل برنامج خاص على أجهزة الكمبيوتر الشخصية، ليبدأوا بعد ذلك حياتهم الجديدة في بيئة افتراضية من صنع خيالهم، فيختارون لهم شخصية أخرى، باسم جديد ووظيفة مختلفة، كما يستطيعون ارتداء ما يريدون من ملابس، ويعيشون في هذه الحياة بأسلوب قد يغاير تماما أسلوب حياتهم الحالية، ويمارسون شتى أنواع الأنشطة الاقتصادية والسياسية والثقافية والرياضية والفنية.. وغيرها.
في هذا العالم يشعرون بالحرية الكبيرة، فلا تحدهم حدود، ولا تقيدهم قيود، بإمكانهم العيش في أي مكان، والسفر إلى كل البلدان، والمشي والسباحة والغوص والطيران.
وفيه يمكنهم التواصل مع الآخرين، وتكوين العلاقات الإنسانية، والتعبير عن أفكارهم وآرائهم ومشاعرهم بمختلف الصور والأشكال.
في هذا العالم يمكنهم تحقيق كل أحلامهم التي لا يستطيعون تحقيقها في الواقع، وامتلاك ما يرغبون فيه من ممتلكات، وأراض، ومبان.. ولكن لذلك ثمن. فهذه الحياة يتعامل فيها الناس بعملة يمكن صرفها بصورة حقيقة كباقي العملات، وتسمى «ليندن دولار» نسبة إلى الشركة المبتكرة للموقع.
ويعيش في هذا العالم الخيالي حاليا أكثر من 4 ملايين شخص من مختلف دول العالم الحقيقي، يلتقون يوميا، ويتحاورون، ويقومون بأنشطة عديدة مشتركة.
ولم يقتصر التواجد في هذا العالم الخيالي على الأشخاص فقط، بل إن الكثير من الشركات التجارية، والمؤسسات التعليمية، والثقافية، والإعلامية قامت بشراء أراض افتراضية، وأنشأت لها فروعا، وحتى الدول شاركت فيه من خلال افتتاح سفارات تمثلها، وتعمل على الترويج السياحي لها، كما استغل موقع «إسلام أون لاين» هذا العالم بصورة ذكية للتعريف بالإسلام والدعوة إليه.
وقد ظهر على سكان ذلك العالم الخيالي عدد من الآثار النفسية، والاجتماعية، والسلوكية، كإدمان البعض لهذه الحياة وانفصاله تماما عن واقعه، ليحقق حلمه بالحصول على ما عجز عن تحقيقه في الواقع، ومفضلا تكوين علاقات افتراضية مع شخصيات خيالية، بعيدا عن العلاقات الواقعية مع شخصيات حقيقة، كما قام البعض الآخر بالتعارف والزواج الالكتروني، والحياة في بيت افتراضي خيالي، فضلا عن لجوء بعض المتزوجين لهذه الوسيلة آملين بالعيش في بيئة مختلفة، بأسلوب آخر مع زوجة أو صديقة خيالية، لكسر الملل والروتين في حياتهم الزوجية الواقعية، وبالإضافة لذلك ترك كثير من الناس مهنهم الحقيقية، ومارسوا أعمالا افتراضية سعيا وراء مكاسب مادية خيالية.
وكما تحدث المشاكل في العالم الحقيقي، فقد حدثت في ذلك العالم الخيالي أعمال عنف وجرائم افتراضية، وتحرشات واعتداءات ظهرت على شكل قصص رقمية، فضلا عن حصول سرقات الكترونية كثيرة، وتمت ملاحقة بعض مرتكبي تلك الجرائم وطردوا من «الحياة الثانية» ثم نالوا عقوبات فعلية من خلال المحاكم الحقيقية.
ختاما: إن هروبنا بأي وسيلة كانت لن يعالج مشاكلنا، لذا علينا مواجهتها واقعيا وحلها نهائيا.
زاوية أخيرة:
قال الكاتب الفرنسي أنطوان دو سانت إكزوبري «اجعل من حياتك حلما، ومن حلمك حقيقية وواقعا».
[email protected]