نسمع بين الحين والآخر عن بيع أحد الشباب بيته الوحيد لأجل المتاجرة، سواء في الأسهم، أو بضاعة، أو مقاولات بناء.. أو غير ذلك، وهي ظاهرة تعد ملحوظة في فترات انتعاش الأسهم، أو تجارة ما، وفي الغالب العام ينتكس ذلك الشاب بتجارته لسبب رئيس، وهو قلة خبرته في السوق الذي دخل فيه، فلا يملك سوى أوراق، وإن سلم بعض ماله، فلا يكفيه لشراء بيت آخر، فيظل طول حياته ساكنا في بيت والده أو بالإيجار.
ومن هذا المنطلق، فإن الشريعة الإسلامية أرادت تحصين الأسرة المسلمة من الضياع، فكان النهي عن بيع العقار الأساس وهو بيت السكن، دون وضع ماله في بيت آخر، وهو نهي كراهة وليس نهي تحريم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من باع دارا أو عقارا فلم يجعل ثمنه فيه، كان قمنا ألا يبارك له فيه»، وقمنا أي جديرا، وقال صلى الله عليه وسلم: «من باع دارا ولم يجعل ثمنها في مثلها، لم يبارك له فيها».
وقد ابتاع يعلى بن سهيل من أبيه دارا بمائة ألف، فقال له عمران بن حصين: بعت دارك؟ قال: نعم. قال: فلا تبعها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من باع عقدة مال، سلط الله عليها تالفا يتلفه». فاستقاله، فأقاله.
واستثنى العلماء بيع العقار للاتجار لمن يملك فضل مال، ولديه عقارات أخرى، فلا يؤثر على سكنه الأساس، وهو المهم والمقصود، فالأرض فيها بركة، كما قال ابن عيينة في تفسير الحديث الأول: إن الله عز وجل يقول: «وبارك فيها أقواتها، فلما خرج من البركة، ثم لم يعد في مثلها، لم يبارك له».
وجاء الاستثناء أيضا فيمن يريد العلاج (حاجة وليس ترفا)، أو سداد دين، أو الإنفاق على العيال، أو تزويجهم، أو غير ذلك من الضرورات.
وتأكيدا.. فإن الأحكام سالفة الذكر لا تدل على حرمة بيع العقار، إنما الترغيب في الاستقرار وإعمار الأرض، فالشريعة جاءت لتنظم أمور العباد، وتدلهم على الأصلح.
وأستذكر هنا القرار التاريخي الشهير من سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الراحل الشيخ سعد العبدالله الصباح، رحمه الله، بعدم إدخال البيت الرئيس ضمن أي تصفية مالية، وذلك بعد أزمة سوق المناخ.
قال الأولون: «العقار يمرض، لكن لا يموت»، و«العقار الولد البار»، وكما قال رجل الأعمال أسعد السند: على الشباب ألا يستعجلوا الغنى وقطف الثمرة، وعليهم استنصاح أصحاب الخبرة، حتى لا يقعوا في مشاكل وخسائر هم في غنى عنها.
وكل الشكر والتقدير لأستاذ الحديث د.عبدالرحمن عبدالله الرجعان على تزويدي ببحثه العلمي بهذا الموضوع «الأحاديث الواردة في النهي عن بيع العقار رواية ودراية».
>>>
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من أحب، فمن ضن بالمال أن ينفقه، وخاف العدو أن يجاهده، وهاب الليل أن يكابده، فليكثر من قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر»