لمَ هذه الزوبعة لقرار أميركا نقل سفارتها إلى «القدس» عاصمة فلسطين؟ ماذا يعني انتقال السفارة الأميركية للقدس؟ وما الفرق مادامت فلسطين محتلة بالكامل، وحكم إداري للسلطة الفلسطينية لمساحة محدودة؟!
تساؤلات مستحقة تدور في خلد كل شخص هادئ غير منفعل، وكل فرد بعيد عن واقع السياسة الخارجية، لذا.. لنتعرف على «القدس» أولا.
تعد «القدس» عاصمة فلسطين، وتحتوي على الكثير من المقدسات وأهمها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة.
وقد وقع الجزء الغربي منها تحت الاحتلال الصهيوني في عام 1948م (النكبة)، حيث استطاعت المنظمات الصهيونية وعلى رأسها الهاجانا احتلال ثلاثة أرباع أرض فلسطين بقوة السلاح والقتل والقمع والتهجير، وبدعم لوجستي من بريطانيا، واحتلت من القدس ثلثيها من الناحية الغربية، وسميت غربي القدس، والباقي تحت سيطرة الأردن، والتي فيها المسجد الأقصى وكنيسة القيامة.
وتم اعتماد الكيان الصهيوني عضوا في الأمم المتحدة مباشرة عام 1949م، بعد تبني مجلس الأمن له، ما يؤكد تضامن الدول دائمة العضوية مع الاحتلال في سابقة تاريخية!!
ويضم غربي القدس لفافات وقراطيس الكتاب المقدس (مخطوطات البحر الميت)، ومبنى البرلمان (الكنيست)، ومبنى المحكمة العليا الجديد، وأصبحت مبانيها جديدة.
وبعد حرب 1967م (النكسة)، وقع الجزء الشرقي منها تحت الاحتلال الصهيوني، فأصبح المسجد الأقصى وكنيسة القيامة تحت الاحتلال، وسمي شرقي القدس.
ورغم صدور قرار مجلس الأمن رقم (242) القاضي بأن تعيد دولة الاحتلال ما احتلته في حرب 1967م، ومن بينها شرقي القدس، إلا أن الكيان الصهيوني لم ينفذ القرار حتى الآن، دون أن يحرك مجلس الأمن ساكنا، ما يؤكد التواطؤ سالف الذكر.
بل قام الكيان الصهيوني بمصادرة ثلث أراضي شرقي القدس من أهاليها عنوة، وبناء المستعمرات فيها، ووضع يده على المسجد الأقصى والسعي لهدمه بادعاء ان الهيكل أسفل منه، وعلى المسجد الإبراهيمي الذي يقدسه اليهود، ويسمونه كهف البطاركة أو مغارة المكفيلة، وعلى كنيسة القيامة.
وبعد معاهدات السلام المزعومة، تم تحديد الحارات التي تديرها السلطة الفلسطينية ولا تحكمها، وبعد جملة من التنازلات مازالت تحلم «فتح» بقيام دولة فلسطينية عاصمتها شرقي القدس، وهذا ما لم ولن يتم بانتقال السفارة الأميركية للقدس، ومن ثم الاعتراف بها عاصمة للكيان الصهيوني.
وتم كل ذلك رغم أن الأمم المتحدة رفضت الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال عام 1980م!
إذا من يتحدى من؟!
وعليه.. فليس من المعقول بعد ذلك كله أن يقبل العالم بذلك التحدي السافر لقرارات الأمم المتحدة، وإلا فما الفائدة من قراراتها واجتماعاتها؟! ولنا أن نتخيل كيف تكون ردة الفعل لو نقلت أميركا سفارتها من مدريد إلى برشلونة؟! أو من لندن إلى غلاسغو؟! أو من موسكو إلى غروزني؟!!
قد لا ينفع التفكير المنطقي في مثل هذه الأمور، لكن لا أقل من تبيان الحقائق، ومن ثم إبداء الرأي والتمسك به بما نستطيع، بالكلمة والحوار والإعلام وكل ما يمكن من خلاله تبيان ذلك الخطأ، وإلا فسيأتي يوم سنكون جميعا ضحايا لمثل هذه التجاوزات.
ليس بالضرورة أن نخرج في مسيرات، أو نشتم الآخرين، فقط لنحرك الإعلام ووسائل التواصل والعلاقات الدولية وحقوق الإنسان، وسنرى العجب.
ولنتذكر أنه عند احتلال العراق للكويت، كنا ننتظر أي مبادرة من أي فرد لتأكيد الحق الكويتي، ونبذ الظلم العراقي، فكان ما كان من مسيرات وحملات إعلامية حركت العالم كله حتى التحرير.
وأخيرا.. ثقوا بأن القدس والأقصى لهما رب يحميهما.