اشتهر الأزهر الشريف عبر سنوات طويلة بإرسال الدعاة إلى كافة أصقاع العالم، تدعمه في ذلك إدارة علماء أجلاء، مستقلين عن الحاكم، تدعمهم في ذلك وفرة المال من الأوقاف الكبيرة التي يملكها الأزهر، والكويت إحدى الدول التي استفادت منه في بدايات التعليم شبه النظامي، ثم التعليم النظامي.
وبعد أن استولى جمال عبدالناصر على أوقاف الأزهر خلال فترة التأميم، دون مراعاة الجانب الشرعي والقيمي فيها، وبعد أن بدأ بالتضييق على علماء الأزهر واعتقال بعض العلماء بحجج واهية، تأثر عطاء الأزهر عالميا، ولم تعد الأوقاف إليه إلى الآن.
ومن أقدار الله أن قيض للأمة بديلا سريعا، حيث بادر الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله باستضافة مئات العلماء من مصر والشام والعراق وغيرها، والذين قاموا بالتعليم الشرعي في حلقات العلم في الحرمين المكي والمدني، وفي الجامعات في مختلف المدن السعودية، بالتعاون مع المشايخ والعلماء السعوديين، حتى تخرج على أيديهم آلاف الدعاة بمختلف الدرجات العلمية، جامعي، وماجستير، ودكتوراه، وأتقن العديد من الجيل الجديد اللغة الإنجليزية.
ثم استضاف هو ومن بعده جزاهم الله خيرا آلاف طلبة العلم الشرعي من مختلف دول العالم، وعادوا إلى بلادهم دعاة وأئمة، وأصبحوا قادة العمل الإسلامي فيها.
كما أرسلوا المئات من خريجي جامعة الإمام محمد بن سعود من مختلف الجنسيات ليكونوا أئمة ودعاة في المراكز الإسلامية في مختلف دول العالم، في أوروبا والأميركتين وأفريقيا وآسيا، وعلى نفقتهم.
ولم تكتف السعودية بذلك، ففي عهد الملك فهد بن عبدالعزيز، رحمه الله، تم إنشاء عشرات المدارس الإسلامية (المشهورة باسمه) في مختلف دول العالم، كانت وما زالت ملاذ أبناء الديبلوماسيين المسلمين وطلبة الدراسات العليا وعموم المسلمين في جميع تلك الدول، لأنها تقدم مناهج إسلامية، مع مراعاة نظم وقوانين كل بلد، وما زال طابور التسجيل فيها طويلا على قائمة الانتظار.
وتم إنشاء عشرات المراكز الثقافية في مختلف دول العالم، تقوم بتقديم دورات مجانية للجميع في اللغة العربية، والتعريف بالإسلام، وبعض الدورات الشرعية المبسطة، مع توفير مكتبة ضخمة من الكتب الإسلامية بمختلف اللغات، وتوزيع ملايين المصاحف والكتب التوعوية والتعريفية بالإسلام بمختلف اللغات.
كما أنشأت عشرات المعاهد الشرعية بمختلف المستويات في مختلف دول العالم.
وساهم ذلك كثيرا في نشر العقيدة الصحيحة، ومواجهة البدع، بعيدا عن الغلو، وتقديم صورة إيجابية عن الإسلام والمسلمين، وساعد في ذلك دورات التطوير الشرعي والثقافي والإداري للدعاة المبتعثين، حيث ترسل السعودية بين الحين والآخر كبار العلماء للإجابة عن أسئلة النوازل ومستجدات الأمور التي قد تخفى على أولئك الدعاة، أو التي قد تحتاج إلى اجتهاد جديد.
أبين ذلك حتى نستذكر الدور الكبير الذي قدمته المملكة العربية السعودية لعموم المسلمين في مختلف دول العالم من تعليم شرعي، وتثقيف وإمامة وخطابة وتوعية وتعليم متنوع، على نفقتها الخاصة، دون أن يدفع أحد ريالا واحدا، حتى استطاعت أن تنشر الدعوة الإسلامية في العالم بكل رفق وأناة، على مدى أكثر من نصف قرن، ولعلي لم أذكر سوى النزر اليسير من تلك الجهود التي لم تعلنها المملكة بشكل متكامل ولم تتباه بها، لأن الهدف رباني، ومساعدة الآخرين هدف إنساني، والدعوة إلى دين الله هدف إسلامي.
والقاعدة تقول من لا يعمل لن يخطئ، ومن يعمل لابد أن يخطئ لأنها طبيعة البشر، حيث ركز بعض الليبراليين بغلوهم على بعض السلبيات لإدانة الدعاة، وركزوا على الشكليات دون الدخول في المضمون، وتجاوزوا حسن الظن إلى سوء الظن، ففي الوقت الذي انشغلوا في إثارة الفتن، كان دعاة السعودية ينشرون كتاب الله.
شكرا للسعودية على هذا التاريخ الطويل من العطاء الذي لن ينضب بإذن الله، وسيكون في ميزان كل من عمل في ذلك.