خُلق الإنسان من تراب، وهذا هو سر خلقه، ولكن ما سر الرؤى التي يراها والأحلام التي يتأثر بها، فالرؤى والأحلام من خلق الله تعالى أيضا، الطيب منها من تبشير وتحذير ومواساة فمن الله تعالى، أما الخبيث منها من تخويف وتحزين وتنفير وتفريق فمن الشيطان، والله به عليم.
يخيل للنائم خيالات فيرى ما يرى ويسبح في خيال الرؤيا، ولا يستطيع البعض منا التفريق بين الرؤيا والواقع من شدة وضوحها ودقتها، والبعض أيضا لا يقدر على التفريق بين الرؤيا والحلم، فيرى مثلا ما يزعجه أو يؤذيه أو يشككه في شيء ما فلا يعلم إن كان هذا تحذيرا من الله تعالى أم وسوسة من الرجيم وتحزينا منه، وفي هذا قال نبينا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه: «الرؤيا ثلاثة: الرؤيا الصالحة بشرى من الله عز وجل، ورؤيا المسلم التي يحدث بها نفسه، ورؤيا تحزين من الشيطان» رواه البخاري ومسلم.
ويحدث أحيانا ما يسمى بالتفريغ، حيث يتعرض الإنسان لأحداث معينة في حياته اليومية تؤثر في نفسه ومن ثم يرى في نومه ما ينفس فيه عن ضيقه ويريح فيه نفسه، والله على ذلك قدير.
ويقول البعض إن هذه الأمور لا أساس لها من الصحة، وان كل هذه الرؤى والأحلام محض خيالات لا معنى لها ولا تفسير، وهنا ردنا سيكون بقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: «الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة» رواه البخاري ومسلم.
وهذا خير دليل على أن هناك رؤى صالحة تنفع بإذن ربها، ولا تضر إلا أن يشاء الله، ونحن نرى ذلك واضحا في سورة الأحلام سورة يوسف عليه السلام رؤيا السبع بقرات وكذلك رؤيا إبراهيم عليه السلام في ابنه إسماعيل عليهما السلام.
وهكذا رأينا ودرسنا قصصا وعبرا عن الرؤى عبر التاريخ قديما وحديثا، منها ما هو مبشر ومنها ما فيه التحذير ومنها ما لا يسمن ولا يغني من جوع، فتبارك الله رب العالمين.
ومن الرؤى ما يكون في علاج الرائي أو شفائه بإذن الشافي سبحانه، فيرى المريض مثلا في منامه أنه يشرب من ماء زمزم فيحتمي به فيشفى بإذن الله تعالى، أو انه أخذ دواء معينا فكان فيه شفاؤه بإذن الله تعالى وتحققت رؤياه وهذا ما أسميه بالرؤيا العلاجية.
وهناك أيضا ما أسميته بالرؤيا الحسابية وهي الرؤيا التي تحتوي على أرقام وحسابات وحكم ودلالات كرؤيا السبع بقرات وكيف تصرف سيدنا يوسف عليه السلام بحكمة وتدبير سياسي واستخدم البيانات.
ولكن ماذا عن أحلامنا الوردية إنها أحلام أسميتها بالوردية لما فيها من أمور تؤنس الرائي وتطيب خاطره وتسعد قلبه وتواسيه، كأن يرى الخائف سلاما تحقق، ويرى المفارق حبيبه قد عاد، ويرى المدين دينه قد سدد، فيرى ذلك على شكل رموز سريعة ومتتالية يخلقها الله تعالى في عقله أثناء نومه فتجتمع هذه الرموز وتترجم كما فعل سيدنا يوسف عليه السلام حتى يبشر أو يحذر، فسبحان الله وتعالى علوا كبيرا.
والرؤيا متاحة لكل صحيح ومريض وغني وفقير وكبير وصغير.. حتى الأعمى والضرير، وهي لا تشترى ولا تباع، ولا يمكن أن تورث للأتباع، ولا يحفظها من الضياع، إلا تأويلها عند من هو لها راع.