فارس السبيعي
الظلم حرام في جميع الشرائع والأديان، والإسلام دين العدالة، وقد وصف الله نفسه بالعدل والعادل، والظلم يهدد كيان المجتمعات ولذلك حرمه الله تعالى على نفسه وعلى عباده، فقال في الحديث القدسي «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا» والإنسان لو ترك لهواه فإنه لا شك سيبطش ويظلم ولذلك لا عجب أن يصف الله تعالى بني البشر بقوله عز وجل «إن الإنسان لظلوم كفار» والعرب قبل الإسلام كانت تفتخر بالظلم وتعده من صفات الرجولة فقد قال شاعرهم:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم
ولذلك حرم الله الظلم على نفسه وجعله محرما بين عباده، لأن الظلم يهدم دعائم المجتمع السوي التي تقوم على العدالة والمساواة والحرية.
والظلم هدم للقيم وعمليات الهدم أسهل من عمليات البناء، فالنفس البشرية تميل للهدم والظلم والتعدي على حقوق الآخرين ويصعب عليها العدل وإحقاق الحق! فالمعلم الذي يخون رسالته ويقصر في واجباته ظالم، والطبيب الذي يتساهل في تشخيص المرض ظالم، والمهندس الذي يتلاعب في التصاميم ظالم، والمسؤول الذي يبخس حقوق موظفيه ظالم، والإنسان المشرك بالله العاصي لأوامره ونواهيه ظالم، ولذلك جاء قوله تعالى «إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن أنفسهم يظلمون» وهذه الآية تنبيه وتحذير من عواقب الظلم والتي أعلاها خراب الديار وأدناها فساد الأحوال يقول تعالى «وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا» ومن صور الظلم أن يظلم الإنسان نفسه بأن يقترف المعاصي والمحرمات التي تخفف موازينه، أو يظلم الإنسان غيره كظلم الزوج لزوجته والوالد لابنه والأخ لأخيه والعكس أو يظلم الإنسان مجتمعه كظلم المسؤولين لمرؤوسيهم اما بالزيادة أو النقصان! فإعطاء من لا يستحق ظلم، وحرمان من يستحق ظلم، وما بين المنزلتين أهوال عظيمة إما أن توصل الإنسان إلى رضا ربه أو تجلب عليه غضبه وسخطه! ومن أخطر صوره أيضا ظلم القضاة للمحتكمين إليه، وهذا ما دعا الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) إلى قوله: «قاض في الجنة وقاضيان في النار» وأشد أنواعه ظلم الرعاة لرعيتهم . روي عن الإمام علي ( رضي الله عنه ) أنه قال: «للظالم من الرجال ثلاث علامات، يظلم من فوقه بالمعصية ومن دونه بالغلبة ويظاهر الظلمة» أي يعين الظالم على ظلمة بالتأييد.
والظالم برغم أنه يستخدم سلطته ونفوذه وقوته فإن له حقا على مجتمعه وهو حق النصرة كما أخبر بذلك النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في قوله «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» ونصرة الظالم أن يقوم المجتمع بنصحه ومنعه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وتذكيره بعواقب الظلم لعله يرجع ويعدل عن ظلمه وأذاه.
وللمظلوم حقوق كثيرة، منها رد الظالم بما قدر عليه لقوله تعالى «والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون» ومن حقه أن يلجأ إلى الأقوياء في محيطه ليعينوه على رفع الظلم عنه، فإن لم يجد له نصيرا من جنسه فإن له أن يلجأ إلى رب السماء الذي تعهد على نفسه أن ينصر المظلوم مهما كان دينه أو ملته حين قال في الحديث القدسي «وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين».
والمظلومون في المجتمع كثر والعاجزون عن رد الظلم أكثر ولكن لهم البشرى فلديهم سلاح قوي إذا أحسن استخدامه جاءت نتائجه فاعلة وسريعة وهو الدعاء بحضور القلب، فقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ): «ثلاثة لا ترد دعوتهم، الصائم حتى يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم».
آخر رمسة:
إلى كل من ملك القدرة على ظلم غيره تذكر قول الشاعر:
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا
فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عيناك والمظلوم منتبه
يدعو عليك وعين الله لم تنم