عرفنا أن الدين الصحيح هو المدد الإلهي والدرع الواقية، وهو حالة من السمو الروحي والأخلاقي والنفسي، وهو «لا يغني مظهر عن جوهر، ولا جوهر عن مظهر»، ومن أهم خصال الدين والتقوى الخلق الحسن، فلا علاقة له بالكلام أو الملبس أو الثقافة أو الشهادة أو المركز، بل في السلوك، بالمعاملة، بالابتعاد عن الأنانية، بفهم الطرف الآخر وعدم صده واحترام رأيه وإن لم يرق لك، بعيدا عن التجريح، بعيدا عن الغمز واللمز، بعيدا عن النظر إليه بازدراء وكأنه نكرة!! وإن كنت فعلا تحب أن تعيش حقيقة دينك وتدينك، عامل الناس وأقرباءك وذوي رحمك بكريم أخلاقك كما تحب أن يعاملوك، فإن الأجر مضاعف يا من تسعى وراء الأجر!
لكن للأسف ما نراه في الواقع ليس دائما هو الحقيقة، هناك أشخاص كانوا بيننا في الأمس القريب عاشوا معنا.. وعاشوا فينا.. سكنوا قلوبنا.. وكانوا جزءا لا يتجزأ من حياتنا، تعمقوا بشكل جلي في فهم الدين، وليتهم لم يتعمقوا!
لأنهم ابتعدوا ابتعادا كليا عن تعاليمه. تعمقوا وترسخت في أذهانهم أفكار لا تمت للدين بأي صلة، وكأن الدين محصور بفكرهم هم فقط، استعاروا من هنا وهناك بعض الروايات والأحاديث ليجملوا بها صورتهم باعتقادهم وحدهم أصحاب الهداية وغيرهم فلا!
لكنهم في الحقيقة هم مجرد جرار فارغة وغالبا ما تنفجر بمجرد ما تخالف طريقتهم وأسلوبهم الفظ.
تدينوا فامتلأوا حمقا وصاروا يترصدون هفواتك وأخطاءك باحثين عنها بشغف فقط لكي يعيبوك بها. تدينوا واصبحوا لا يرون منك سوى الجحيم! متناقضون ومن الصعب أن تعرف أي وجه من وجوههم أنت تتعامل معه! تجد تقلبا في انطباعاتهم وطريقتهم، ويرددون دائما «لا يجوز، هذا حرام، لازم نبادر، صلة رحم، الجنة صعبة، لازم نسعى، لازم ننسى ونسامح، هاللبس حرام، لازم نسمع من الطرفين، لازم ما نسيء الظن، لازم نصير احسن من غيرنا ونحتسب الأجر، لازم نفتح صفحة جديدة، إذا سويتي جذي وإذا سويت جذاك ترى ما راح تشمون ريحة الجنة»!!
وبمجرد ما يتعلق الموضوع بشخصك! تسقط كل الأخلاق والمبادئ والقيم التي كانوا يحثونك عليها، وترى العجب العجاب في الاختلاف والتناقض والتنافر.
أهذا هو الدين الذي تعرفون..؟؟ وهل بنفاقكم هذا ستدخلون أنتم الجنة من أوسع أبوابها يا ترى..؟!
ألا يفترض أنكم متدينون وتعلنون بين الحين والآخر أنكم دعاة خير متسامحون، متحابون، مبادرون، واصلون أرحامكم، لاهثون باحثون عن الأجر والثواب..؟؟
لكن للأسف تأمرون الناس بالبر والمعروف وتنسون أنفسكم، ومواقف بسيطة كفيلة بأن توجعك وتفجعك من سلوكهم وحقدهم وسواد قلبهم.
كما أنها تظهر معدنهم الحقيقي الذي ربما تجد أفضل منه عند أناس عاديين لم يدعوا التدين ولم يرسموا لأنفسهم هذه الصورة النورانية النقية.
أناس لم يدعوا الكمال والصفاء وقلبهم لا يحمل إلا الكراهية، ولسانهم لا يتورع عن وصفك بأقبح الصفات ونعتك بأبشع الأقوال. ستجد وستجد وستجد وستغضب من هذا التناقض وستحزن لدينك الذي لطخوه بسواد أفعالهم وسواد صحائف ممارساتهم اليومية الممهورة بطابع التصنع والكذب والنفاق. يحدثونك عن محاربة الظنون والإحسان وصلة الأرحام، وهم أول من يسيء بك الظن، وهم أول من يجرحك في كرامتك ومشاعرك وشخصك، وهم أول من يقطع صلة رحمك ! ليس لأنهم على حق بل لأن نفوسهم مشتعلة بُغضا تجاهك.
أصابتهم آفة النزاهة وهي منهم براء، يلبسون ثوب الفضيلة ليتسخ بعفن أفكارهم ودناءة قلوبهم. أنا حقيقة لم أعلم أن الفضيلة يجب أن يروج لها لتصبح دعاية!! فمن يدعي الفضيلة ليس بفاضل وإنما هو يريد فقط أن يظهر نفسه لا أكثر.
لكن ما يطمئننا حقا هو يقيننا بأن الله جامع الناس ليوم لا ريب فيه (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) بلا مال ولا نصير، ومن استتروا وخدعوا وضللوا وناقضوا ونافقوا أنفسهم فإن الله سائلهم.
فلا تتعاملوا مع الدين الإسلامي والأحاديث النبوية الشريفة على حسب أهوائكم الشخصية يا متدينين.