بمتابعة الأحداث الدولية من حولنا والتهديد الأميركي المستمر للجمهورية الإيرانية بوتيرة تتصاعد إلى درجة الدخول في الحرب وتعود فجأة إلى العمل على بدء مفاوضات مشروطة للوصول إلى اتفاق يحقق مصالح أطراف الصراع في المنطقة.
وإذا كانت المبررات التي يسوقها كل من الأميركيين والإيرانيين غير منطقية وغير مقنعة وليست سوى جزء من المناورات السياسية التي تستخدم فيها الأدوات الاقتصادية والديبلوماسية والإعلامية ليحقق كل طرف أكبر قدر من المصالح.
ففي عالم السياسة يعتمد الرئيس الأميركي ترامب سياسة حافة الهاوية وهي سياسة أميركية استخدمها وزير خارجيتها في عهد الرئيس ايزنهاور وكان أول من استخدم هذا المصطلح.
وتعتمد على تصعيد الأزمة الدولية لتحقيق المكاسب وإيهام الخصم بعدم التراجع عن الحرب حتى وان ادى ذلك وصولك الى الحافة الخطيرة.
وما يقوم به الرئيس الأميركي من استخدام لهذه القاعدة اختلف عن السابق، فلم يعد هذا الأمر يقتصر على الحرب العسكرية فقط إنما استخدم الأسلوب ذاته اقتصاديا مع الأتراك من خلال فرض الضريبة على صادرات تركيا من المواد المهمة ومنها الألمنيوم على سبيل المثال، واستطاع من خلال ذلك تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسيه لعل من اكثرها وضوحا إطلاق سراح القس الأميركي المتهم بالتجسس.
لتتجه بعد ذلك بوصلة ترامب إلى الصين وهناك اختار شركة هواوي العملاقة ليفرض القيود على الشركات الأميركية التي تتعامل مع هذه الشركة.
وبما أن السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، فإن الرئيس الأميركي نجح في استخدام وجه السياسة لمعالجة الكثير من الخلل الذي شوه وجه الاقتصاد الأميركي وذلك خلال فترة وجيزة مقارنة بسياسات الإصلاح الاقتصادي التي تتخذ في دول أخرى.
وفي منطقة الخليج استغل الأميركان جميع الأحداث للاستفادة منها بصورة او بأخرى دون الوصول الى مرحلة الحرب لأسباب عدة من ابرزها أن خسائر أي حرب بمفهومها الشامل في منطقة الخليج تفوق بكثير المكاسب، وبالتالي استبعاد احتمال حدوث هذه الحرب بل وتفاديها إذا أوشكت على الحدوث.
وان كان لابد من ذلك فلن تتجاوز ضربات عسكرية خاطفة غير موجعة للنظام الإيراني الذي حقق مكاسب عدة نتيجة التهديدات الأميركية أبرزها تماسك الجبهة الداخلية لمواجهة العدو الخارجي والتهديدات المستمرة، وبالتالي فإن أي ضربات عسكرية من باب استعراض القوة واثبات الوجود في المنطقة سيحقق للنظام الإيراني المزيد من المكاسب داخليا.
لعل الكثير يصدق ما يتابعه في الإعلام عن مبررات الحرب وكذلك مبررات التراجع إلا أن المتابعين للسياسة الأميركية في المنطقة يدركون أن ما يدور في الحديقة الخلفية للبيت الأبيض يختلف تماما عما نتابعه من خلال نشرات الأخبار وان قنوات الاتصال بين ترامب والإيرانيين لم ولن تغلق.. هذا ودمتم.
[email protected]