تلقيت كتابا عنوانه «منير... الأبيض لا يليق بكم» ويحمل غلافه صورة ضحية الأخطاء الطبية ومؤلفه هو د.طارق البكري، وقد عكس الكتاب ما يعانيه أب لفقدان فلذة كبده (منير) بسبب ما وصفه أنه أخطاء طبية وإهمال لا يليق بأصحاب الرداء الأبيض.
وفي كل صفحة من صفحات الكتاب البالغ عددها 48 صفحة تفيض مشاعر الحسرة والألم من المؤلف على ما مر به فلذة كبده من إجراءات أدت في النهاية إلى وفاته وأتمنى أن تكون قصة منير عبرة بدروس مستفادة لزملائي وزميلاتي أصحاب الرداء الأبيض سواء في أقسام الطوارئ أو المختبرات أو الأجنحة والأقسام الداخلية بالمستشفيات إذ أن وفاة طفل كان سبب دخوله للمستشفى هو الإسهال وآلام البطن تستحق الدراسة والبحث بعيدا عن النظريات الصماء في كتب الطب والمحاضرات التي تلقيناها أثناء الدراسة.
وما يستحق أيضا الاهتمام هو الجوانب الإنسانية التي كتبها مؤلف الكتاب بدموع أب مكلوم لمرض ابنه ثم لوفاته وهي رواية لطريقة التعامل الإنساني بين أصحاب الرداء الأبيض وذوي المريض والتي غاب عنها الكثير مما تعلمناه وأقسمنا على الوفاء به عند التخرج ضمن قسم الطبيب بما له من قدسية ومهابة والتزام.
وتوقفت كثيرا عند تفاصيل سبعة أشهر من المعاناة التي قضاها ذلك الغلام على سريره الأبيض متنقلا من مكان لآخر داخل المستشفى الواحد وغيره من المستشفيات لإجراء فحوصات ومناظير وصور أشعة متعددة كانت حصيلتها نحو خمسة تشخيصات وربما أكثر قال عنها مؤلف الكتاب إنها كانت كلها خاطئة بالرغم من الإبر والأشعات التي تعرض لها المريض قبل أن يلفظ أنفاسه مودعا الحياة.
كما توقفت أيضا عندما أشار الأب المكلوم إلى البكتيريا التي فتكت بفلذة كبده بسبب أنبوب (السنترال لاين) الموضوع في الرقبة حيث ذكر الأب أن البكتيريا القاتلة استحكمت في الجسد النحيل للضحية وتعجبت مما حدث وتذكرت ما كنا نقوم به من إجراءات متواصلة لمكافحة العدوى والتلوث بالمستشفيات منذ انضمامي لفريق منع العدوى بالمستشفيات بوزارة الصحة ولأكثر من عقدين من العمل المتواصل.
أما ما آلمني كثيرا هو تأخر تشخيص مرض كرونز والذي قال الأب إنه استغرق نحو ثلاثة أشهر من دخول المريض للمستشفى وحكايات كثيرة يعتصر لها القلب ذكرها الأب المفجوع في كتابه المؤثر والذي تضمن مفارقات مثيرة وغريبة وأنصح زملائي وزميلاتي من أصحاب الرداء الأبيض بأن يقرأوا هذا الكتاب ويستفيدوا منه لتلافي الأخطاء الطبية والتي تعلق الوزارة دائما أن الكويت من أقل دول العالم في معدلاتها وأن للوزارة إجراءات صارمة للمحاسبة عن أي أخطاء طبية من خلال لجنة عليا ولجان عديدة تتخذ قرارات مشددة والمثال على ذلك وفاة النائب السابق بمجلس الأمة بسبب الأخطاء الطبية التي اعترف بها بشجاعة أمام مجلس الأمة وزير الصحة د.جمال الحربي ولكن الاعتراف فقط لا يكفي لوقف تلك المهازل والتجاوزات بحياة وصحة البشر ومن بينهم «منير» والعديد من الضحايا الذين لم تتح لهم أو لذويهم الفرصة لكشف النقاب عن تفاصيل ما تعرضوا له.
فهل تحولت المستشفيات إلى مقابر من نوع جديد؟ وهل تحول ترولي نقل المريض داخل المستشفى إلى نعش متحرك يحيط به أصحاب الرداء الأبيض؟