لم ندرس أي منهج عن الإدارة الصحية سواء بالمرحلة الأساسية أو بالمرحلة الإكلينيكية في كلية الطب وفوجئنا بعد التخرج بأن الطبيب مدير المستشفى يجب عليه أن يكون متقنا ومتمرسا في أمور كثيرة مثل الإدارة المالية والتواصل والعلاقات الإنسانية، فضلا عن التخطيط والمتابعة والميزانية وإدارة الموظفين.
وعندما كنا نسمع عن طبيب أصبح مديرا او نائب مدير نعتقد أنه انتقل إلى كوكب آخر ونشفق عليه من الأعباء والمسؤوليات الجديدة وهي غير طبية، إذ أن وزارة الصحة تعاني من خلل ما في الإدارة الصحية ليست طعنا في كفاءات موجودة ولكن قصورا في شروط شغل وظيفة مدير مستشفى ووظائف الإدارة الصحية وقصورا في تقييم شاغلي الوظيفة بمهنية وموضوعية من جانب الجهات الأعلى.
وكلما يأتي وزير جديد للوزارة يقوم بحركة تنقلات بين مديري المستشفيات ونوابهم وغالبا يسقط الضحايا بالتجميد أو إعطاء لقب مستشار ثم يلجأ للقضاء ويكون تنفيذ حكم القضاء بضحايا جدد ممن شغلوا المنصب قبل صدور أحكام القضاء، ونتيجة لكل هذا أصبحت الشخصانية هي المحرك وغابت المهنية.
وأمامنا العديد من الحالات أحدثها ولن تكون الأخيرة في ظل هذا الخلل حالة د.مهدي الفضلي المدير السابق لمستشفى الفروانية وقبلها مستشفى الصباح والذي أصبح مستشارا بعد أن خسرت الوزارة حكما قضائيا يتعلق بمنصب مدير المستشفى وأقصي الفضلي عن منصب المدير تنفيذا لحكم القضاء بالرغم من مؤهلاته المتخصصة في الإدارة والتي كان المنطق يستوجب الاستفادة منها للتطوير الإداري الذي نحتاجه بدلا من انضمامه لعشرات المستشارين مبكرا بمكتب وكيل وزارة الصحة.
والسؤال ليس عن شخص د.مهدي الفضلي ولكن عن الإدارة الصحية بمنطق الشخصانية والمجاملات فتصبح قرارات اختيار المدراء هشة ويسهل إلغاؤها بأحكام القضاء وتزداد مضاعفات المشكلة بعد ذلك، والحالة تحتاج إلى حلول جذرية على أعلى مستوى بوزارة الصحة، لأن الإدارة الصحية على مستوى المستشفيات تستحق أن تشغلها الكفاءات بالعلم والخبرة وليس بالمجاملات وليتفرغ أطباء العائلة لعلاج العائلات بدلا من تسربهم إلى الإدارة الصحية مما أدى إلى ضعف الإدارة وتراجع طب العائلة.
وأرجو أن تكون حالة د.مهدي الفضلي محطة البداية لإصلاح الخلل في الإدارة الصحية وشروط شغل وظائفها بالوزارة كما كانت في سنوات مضت لنرتقي بالخدمات الصحية ونستعيد ثقة المواطن بها.