هالني مشهد شاهدته على الدوار في منطقة العدان في ساعة متأخرة من الليل، حيث افترشت الأرض امرأة يكسوها السواد من قمة رأسها إلى أخمص قدميها، وقد وضعت أمامها حاجات بسيطة للبيع وبجانبها طفل صغير لم يتجاوز عمره الأربعة أعوام أنهكه التعب وساوره الملل، ووسط هذه الأجواء الباردة تراه تارة ينام على الأرض وتارة أخرى يدور حول أمه، حقيقة أثار حفيظتي هذا المشهد الغريب وترك في قلبي غصة وفي نفسي تساؤلا، من هذا الإنسان الذي تحت العباءة؟ هل هو رجل أم امرأة؟ هل هي حقيقة بائعة محتاجة أم جاسوس أم مروج مخدرات اتخذ من العباءة والطفل ستارا ليبعد عنه الشكوك وأنظار رجال الأمن، وما الذي يبقيها إلى هذه الساعة المتأخرة من الليل؟ ألا تخاف على نفسها وعلى صغيرها؟ وإذا لم تكن هذه وتلك فالأمر مرفوض جملة وتفصيلا لدواع أمنية وإنسانية وحضارية، إلى متى مشاهد الباعة المتجولين من أطفال ونساء يجوبون شوارع الكويت وعند إشارات المرور؟ حيث تسيء هذه المناظر المخجلة اللاإنسانية إلى سمعة الكويت، خاصة أن الكويت مؤخرا توجت عالميا على أنها مركز للعمل الإنساني في ظل قائد الإنسانية صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، حفظه الله ورعاه.
ومنذ فترة قصيرة وفي وقت الظهيرة صادفت فتاة في السابعة من عمرها تتجول في مواقف سيارات جمعية قرطبة التعاونية وهي تحمل بين يديها الصغيرتين ثياب صلاة للبيع، جلست أراقبها وأقول في نفسي: لماذا تستغل طفولتها لسد حاجة أو عوز؟ وماذا لو أن قائد مركبة صدمها أو أحد ضعاف النفوس خطفها وخاصة أن الطفلة جميلة؟ ولو سألت وليها لماذا لا تنزل أنت إلى الشارع وتبيع عوضا عنها وتتركها معززة مكرمة في المنزل؟ يرد عليك برد مؤسف: «إذا أنا بعت الناس ما تشتري مني ويشترون من بنتي الصغيرة».
والحقيقة أن هذا انتهاك صارخ لحق الطفل في النمو الطبيعي السليم من جميع الجوانب في بيئة مفعمة بالحرية والكرامة والأمان، تبا لحفنة دنانير مقابل حياة أبنائنا وسلامتهم؟
وأين هو ايماننا بأن الرزاق هو الله؟
واللوم لا يقع على عاتق هذا الأب فقط إنما على كل صاحب قرار بيده أمانة الحفاظ على هذا البلد والقضاء على هذه الظاهرة اللاإنسانية، وكذلك على تجار الإقامات وعباد المال الذين يعملون كروت زيارة لأفراد من دول مجاورة مقابل مبلغ من المال ليمارسوا التسول أو البيع المتجول ويخرج كل منهم بعد انتهاء كرت الزيارة بمبلغ وقدره ليعيش به سنوات في بلده على حساب أمن وسمعة هذا الوطن.
وهناك قصة أخرى لبائع صغير كان يعرض بضاعته تحت أشعة الشمس الحارقة، فمرت به سيدة كريمة وطلبت منه أن يحمل بضاعته ويعرضها تحت الظل ويبيع هناك فرد عليها بالحرف الواحد: «المعلم ما بيرضى»، واضح هنا استغلال هؤلاء الأطفال في استثارة شفقة الناس وجمع المال بطرق مزرية تمتهن كرامة الإنسان وحقوقه .
أيا كانت الأسباب والمسببات فمسلسل الباعة الصغار مستمر وانتهاكات الطفولة في تنام رهيب والشوارع خير شاهد على ذلك، حيث أرصفة توثق، ومسؤولون يتفرجون.
ومن المؤسف أن زعماء العالم في عام 1989 اقروا اتفاقية مكونة من 54 مادة، وبروتوكولين اختياريين، توضح بطريقة لا لبس فيها حقوق الإنسان الأساسية التي يجب أن يتمتع بها الأطفال في أي مكان – ودون تمييز ـ فأين هذه الاتفاقية وأين هو ضمير المجتمع الدولي من طفولة تنتهك وتنحر من الوريد إلى الوريد في بورما وفلسطين وسورية والعراق والشيشان وغيرها من بقاع العالم المنكوبة؟
بل من المخجل أن يحتفل العالم قبل أيام باليوم العالمي للطفل والذي يوافق 20 نوفمبر من كل عام بوصفه يوما للعمل من أجل الارتقاء بإنسانية الأطفال والحفاظ عليهم من الانتهاكات والاستغلال والكويت وقعت على هذه الاتفاقية بالمرسوم رقم 104 لسنة 1991، فأين هي الكويت من ظاهرة استغلال الأطفال وهتك أستار حقوق الإنسان؟
ebtisam_aloun@