حرصت في هذا العيد على ألا تكون تهنئتي بالعيد عادية كما في الأعياد السابقة، فقد سئمت الحروف الجامدة، والكلمات المكررة، والرسائل الصامتة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ففي ليلة العيد تنهال علينا رسائل كثر من كل صوب وحدب نقرأ البعض ونهمل الآخر وربما يتعرض البعض لضغطة زر منا على زر حذف delete، ومن المؤسف أنه حتى الرسائل التي نفتحها ونقرأها ونرد عليها، تتم قراءتها والرد عليها بدون أدنى تفاعل ومشاعر إلا من رحم ربي.
الكثير يعلم أن التهنئة بالعيد عبادة، وأنا عشت وترعرعت في زمن كان للتهنئة بالعيد طعم جميل ورونق بديع، حيث كانت التهنئة تأخذ حقها ومستحقها من المهنئين، بل ان العيد كله كانت له فرحة لا تضاهيها فرحة وله بهجة عارمة تكسو الأرض فرحا وحبا وتغطي السماء بركة ويمنا.
فلذلك لم أتوان في تقديم التهنئة عبر أسلاك التليفون والتليفون المحمول لأحبابي في داخل وخارج الكويت، إلى جانب قيامي بالزيارات واللقاءات المباشرة مع توضيح بسيط لخطتي الجديدة في التهنئة ووجهة نظري في التواصل.
شعرت حقيقة في لحظتها وأثناء التهنئة بروعة اللقاء وجمال التواصل ودفء المشاعر، لاسيما أن تلك اللقاءات والمكالمات ساهمت بشكل ملحوظ في ضخ حرارة المشاعر وحب الحياة في علاقات تجمدت ومشاعر تبلدت وخواطر انكسرت، وذلك بسبب تسارع الحياة وزحمة المشاغل والاستغراق في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
هناك فرق شاسع بين رسائل التهنئة المتبلدة الجوفاء وبين صوت الإنسان النابض بالحيوية والمشاعر الفياضة، والأجمل من هذا وذاك هو حرارة اللقاء والمصافحة والعناق وكلمات الحب والأخوة والوفاء.
فالإنسان كائن حي اجتماعي بطبعه يؤثر ويتأثر يحب ويحب، وقد حباه الله عز وجل نفخة من روحه المقدسة وقد أنعم عليه بنعمة العقل ومنظومة متكاملة من المشاعر والأحاسيس، فلا يليق بهذا الإنسان المكرم أن يحصر تحاوره وتواصله في تلك الوسائل الجافة الجامدة.
فنحن لا ننكر أبدا مزايا تلك الوسائل وجوانبها الإيجابية في تقارب الشعوب وسرعة التواصل وتبادل الثقافات والوفرة المعلوماتية وانفتاح العالم حتى بات كالقرية الصغيرة، لكن بالمقابل هناك آثار سلبية في سوء استخدام تلك التقنيات المتاحة، فالمشكلة ليست في التقنيات إنما تكمن المشكلة في كيفية تعامل الأفراد مع تلك الأجهزة الذكية والتكنولوجية الحديثة.
فقد أكدت الدراسات أن الجهل في التعامل مع تلك التقنيات والاستغراق في استخدامها يؤدي إلى ضعف مهارات التواصل الاجتماعي المباشر عند كثير من الناس ويتسبب في عزلة اجتماعية لهم، وذلك نتيجة للإشباعات التي تحققها هذه الوسائل للناس، وقد ساهمت تلك الوسائل في تزايد الاغتراب النفسي بين الشباب ومجتمعاتهم.
ولغياب الضمير عند البعض وعدم نضج البعض الآخر من المتعاملين مع هذه الوسائل وقلة الوازع الديني وضياع القيم وفساد الأخلاق وكل ما سبق ذكره ساهم في التفكك الأسري وضياع هوية المجتمع، وللعلم مؤخرا وضع الواتساب في قائمة أحد أسباب الطلاق، وقد انتشرت الجرائم الإلكترونية واكتسحت ظاهرة الإرهاب في تسميم أفكار الشباب وهلاكهم.
ومن المشاهد المتكررة والخطيرة والمؤلمة في نفس الوقت خروج أسرة كاملة بكامل أناقتها والجلوس في مطعم فاخر وصرف مبلغ وقدره على عشاء أسري بارد صامت خاو من المشاعر والحوار بفضل تكنولوجية غبية عزلت الأفراد عن بعض، فكل فرد مشغول بجهازه وبمحادثة البعيد وترك القريب، وهذا الداء السرطاني استشرى في البيوتات والوزارات وبين الأزواج وفي كل وقت ومكان، ما أدى إلى كثرة الخيانات الزوجية والطلاقات وتوتر العلاقات وتقطع الأرحام.
فلذلك لابد من وقفة جادة لتصحيح المسار، والنهوض بالشباب والوعي بحسن التعامل مع تلك التقنيات وكل ماهو قادم وجديد.
ebtisam_aloun@