من قلب سنغافورة، حيث تقيم ابنتي هناك، بحكم عملها في مكتب هيئة الأمم المتحدة - فرع سنغافورة، فقد اعتدت كل يوم الجلوس على تلك الأريكة أتأمل الطبيعة وأراقب حركات وسكنات كل شيء حولي، في هدوء أعشقه وأفتقده في موطني الكويت، حيث زحمة الأعمال، وتسونامي المجاملات الاجتماعية، ناهيك عن «التشرُّه» والعتاب الذي لا ينتهي على أتفه الأسباب، والأدهى والأمر من ذلك البرستيج الاجتماعي، الذي قيّدنا به أنفسنا، فأفسد علينا حياتنا، وشوّه جمال أرواحنا.
نعود مرة أخرى إلى سنغافورة، حيث السكون يخيم على المكان، وقطرات المطر بدأت تتساقط لتداعب الأغصان، فتنشدان معا أعذب الألحان، البتة لم أفوت فرصة نزول المطر، حتى رفعت يديّ أدعو بما يفيض به صدري من دعوات، فدعاء المسافر والدعاء عند نزول المطر، مستجابان بإذن الله. الأجواء هنا مريحة تبعث على الهدوء والاسترخاء، ولاسيما أن اللون الأخضر قد افترش الأرض وعمّ المكان، والأشجار الجميلة هنا وهناك تحتضن المباني والعمران، وقد تنوعت بين الطويل والقصير والضخم والصغير، وكلها أشجار بديعة وغريبة لم أعتد مشاهدتها في بلدي، ووسط هذه الطبيعة الخلابة، أطلقت العنان لصدري ليتنفس الهواء العليل، ونظري ليتأمل عظمة صنع الخالق الجليل.
بحكمة بالغة واحتراف بديع، استطعت بفضل الله أن أستثمر وقتي وأن أضع خطة لفترة سفري، وقد تنوعت بين الاسترخاء والخلوة مع النفس والكتابة والقراءة والسياحة وإعادة النظر بعلاقاتي وتقييم إنجازاتي، وعلى رأس القائمة رفع منسوب الإيمان والتقرب إلى الرحمن.
وقد أسعدني في هذه الرحلة تواصلي مع حرم السفير الكويتي الأخت الفاضلة إيمان الغرير، وكوكبة من الأخوات الكريمات المقيمات هناك مع أسرهن، مجموعة طيبة تشرفت بمعرفتهن وزيارتهن، وقد كانت اللقاءات بيننا جميلة ومثمرة وبسيطة، والمناقشات كانت مثرية جدا، وآخر حوار لنا قبل الوادع كان عن الغربة وما تحمله من هموم وشجون ومرارة فراق الأهل والوطن، إلى جانب الفراغ في النهار الطويل لحين رجوع الزوج والأبناء، ونقص اللغة العربية والتربية الإسلامية في التعليم، ناهيك عن تنوع البيئات وتكوين الصداقات واختلاف العادات والتقاليد، كل ذلك يشكل ضغطا نفسيا على المغترب، خاصة الأم.
بالمقابل، هناك الجانب الإيجابي للغربة، وهو الاعتماد على النفس والتقارب الأسري وزيادة الحميمية، خاصة بين الزوجين، والتفرغ للدراسة والعمل والابتعاد عن الطائفية والفئوية، والحرص على التعايش مع الطوائف الأخرى رغم اختلاف الأديان والجنسيات والتخفف من تسونامي المجاملات الاجتماعية وغيرها من الإيجابيات، ومن أجمل ما سمعت أن فكر المغترب ونظرته للحياة وتقبله للواقع وتكيفه مع الظروف يحدد غربته إما تكون تعيسة أو سعيدة.
* شكرا إيمان الغرير، تهاني الربيش، ريم السالم، أنوار الشيحة، أمينة الشيباني، سجى المنيفي، جورجينا المطوع وابنتي نوف العماري.. على كرم الضيافة ونبل الأخلاق وحسن الصحبة، تعلمت منكن الكثير واستمتعت برفقتكن وتشرفت بمعرفتكن، أنتن خير من يمثل بلدي الكويت.
ebtisam_aloun@