«تمخض الجبل فولد فأرا» هذا المثل ينطبق على التأمين الصحي الذي يرعى المتقاعدين بتكلفة تفوق أكثر من 82 مليون دينار تُدفع من ميزانية الدولة إلى القطاع الخاص ممثلة بالمستشفيات.
تأمين عافية اسم على غير مسمى، حيث يفتقد الى العافية التي يحتاج إليها المؤمن عليه من رعاية طبية مقدمة له.
التسويق الذي تنتهجه الوزارة لتحسين المشروع بوجهة نظري اعتبره استنزافا للمال العام وخير شاهد استثناء 45 مرضا من البوليصة لأشخاص بحاجة الى معظمها منها أمراض الكلى والقلب ومضاعفات السمع والبصر، خاصة أن غالبية المتقاعدين هم من دون سن 60 ويعاني البعض منهم من تلك الأمراض المزمنة. الـ
82 مليونا المرصودة والقابلة للزيادة خلال الفترة المقبلة وربما تتعدى 100 مليون كان باستطاعة الوزارة أن تنشئ مدينة طبية وتستقدم لها خيرة الأطباء لخدمة المواطنين عامة وليس فقط المتقاعدين، كما سيساهم ذلك في الحد من إرسال حالات العلاج بالخارج بتوفر الأطباء والتشخيص والعلاج.
وزارة الصحة عندما أقدمت على مشروع التأمين هل أخذت رأي أصحاب التخصص والمعنيين بهذا الشيء، حينما حددت الخدمات الطبية التي تغطيها الوثيقة
والمبلغ المحدد للمؤمن مبالغ به 770 دينارا بالمقابل يتمتع بخدمات تصل الى 17 ألفا بالسنة، ولكن كيف لنا أن نقتنع بهذه المعادلة الصعبة التي ابتعدت عن جميع الأمراض المزمنة والعمليات وأمراض الشيخوخة وغيرها واقتصر الأمر على الأمراض الموسمية التي يستطيع أي منا أن يتلقى علاجها في مراكز الرعاية الصحية الأولية؟!
وزارة الصحة لم تحل المشكلة، بل ظهرت لنا بأزمة داو جديدة.
الخدمات المقدمة بالبوليصة كان من الاولى ألا تتعدى 250 دينارا حينما نتحدث عن تأمين مجموعات وليس أفرادا، فكلما زاد العدد قلّت التكلفة، ولكن واقعنا المرّ يعكس أن المشروع وخدماته تمت صياغتهما في ليلة يفتقد بها البدر، لأن المبلغ السنوي المرصود لكل المتقاعدين يضمن لهم إطلاق الخدمات بدون أي تحديد أو حظر على تخصص.
أضحكني تصريح أحد المسؤولين بالصحة حينما قال إن البوليصة تضمن لأصحاب الأمراض المزمنة صرف دواء لمدة 3 شهور، وبعد ذلك ماذا يفعل المريض؟! علما بأن 90 % من المتقاعدين لديهم الضغط والقلب والسكر والربو والروماتيزم.
سؤال نطرحه على هذا المسؤول يحتاج الى جواب صريح: هل تم عمل مسح شامل للتأكد من الحالات التي تعاني الأمراض المزمنة في العيادات التابعة لمراكز الرعاية الصحية الأولية حتى تخرج الوثيقة بهذا الشكل؟
لا نعلم هل الموضوع تنفيع أم ارتقاء بالخدمة حتى توفر على حساب صحة البشر؟
أجزم تماما بأن الوزارة كانت تهدف من وراء هذا القانون الى التخفيف من طوابير الانتظار على مرافقها ولكن بتقشفها وتقليصها للخدمة المقدمة، سيكون لها مردود عكسي باتجاهين: استنزاف للمال وأيضا للخدمات الحكومية للأسف. كذلك الوزارة مشكورة رأت ضرورة إدخال حالات الولادة بالوثيقة ولم توفق بذلك لأن المبالغ المرصودة ستذهب هباء منثورا بسبب انتفاء الغرض لدى معظم المتقاعدات بسبب تعديهن سن الحمل والإنجاب. كان يجب أن تكون الخدمات شاملة لكل أمراض النساء دون تحديد وتكون الاستفادة أكبر. الوزارة بعد هذا الإنجاز الذي تراه بعينها كبيرا بدأت تهدد وتتوعد المستشفيات التي لا تلتزم وتتعمد في تزوير الفواتير وغيره، مع العلم أنها لم تستطع سابقا السيطرة على رسوم الخدمات في تلك المستشفيات والعيادات الخاصة رغم الشكاوى المتكررة وكانت في موقف المتفرج، فكيف لها السيطرة على أسعار الفحوصات في العيادات التي ستشهد ارتفاعا ملحوظا بسبب هذا التأمين الذي يعتبر بعيدا كل البعد عن العافية؟ هذا القانون جعل للوزير الحق في إضافة فئات وخدمات يجب الإسراع في شمولها بالوثيقة نظراً لتكلفة القيمة حتى تشمل أسر المتقاعدين إضافة الى فتح كل الخدمات حتى نقول بالفعل «عافيه» اسم على مسمى. ومنا الى المسؤولين: اصلحوا الخلل فما زال هناك متسع من الوقت.
[email protected]