مفرح العنزي
إن مشكلة حريق العيون لا تكمن في الوقوف على اطلاله والبكاء على ضحاياه، فهذا الامر من الامور المحورية البديهية التي تعصف بكل انسان سواء في داخل الكويت او خارجها، كما ان الحريق المأساة لم يظهر على الساحة فجأة، بل كانت هناك عدة مؤشرات تحذر من وقوع حريق ضخم في الجهراء، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الحريق الذي وقع باحدى صالات الجهراء قبل فترة وراح ضحيته بضع نساء، ولو امعنا النظر في الاسباب المباشرة وغير المباشرة التي تقف وراء هذا الحريق المأساوي لوجدناها كالاتي:
أولا: الأسباب الأهلية المباشرة
- 1 ـ يمتلك موقع الحادث المواصفات المثالية لمسرح الجريمة، فهو عبارة عن خيمة في الشارع محاطة بمجموعة سيارات، والخيمة خالية من الحراسة الخارجية على الرغم من وجود تهديد مسبق ضد صاحب العرس.
- 2 ـ مثلث الحريق متكامل (مصدر اشعال ومادة قابلة للاشتعال واوكسجين).
- 3 ـ الدافع وراء الجريمة موجود وهو الغيرة، وقد اعترفت الجانية بذلك.
- نفذت الجريمة، وما ساعد في سقوط الكثير من الضحايا هو وجود مخرج ومدخل واحد اضافة الى وجود اعداد كبيرة من المدعوين في خيمة لا تتسع لهذا العدد، ويقول شهود عيان ان ألسنة اللهب وصلت الى خزانات وقود احدى السيارات المجاورة لخيمة العرس مما زاد من حجم المأساة.
- 4 ـ لم يأخذ المعرس عالمهدّد تهديد الجانية على محمل الجد، ولم يبلغ السلطات بذلك.
- 5 ـ الخيمة وطريقة بنائها على الشارع امر شائع ومألوف في الجهراء بسبب ندرة صالات الافراح في منطقة وصل تعدادها الى اكثر من 400 الف نسمة.
- 6 ـ جهل الضيوف باجراءات السلامة من الحريق، وهذا بسبب مشترك مع الجهات الحكومية المختصة، فالخيمة تحترق خلال دقيقة ونصف الدقيقة، اما الشقة فتحترق خلال ثلاث دقائق وفق المعايير الدولية، وربما لا احد يملك هذه المعلومة من قبل جميع الاطراف في هذا الحادث.
ثانيا: الأسباب الحكومية المباشرة
- 1 ـ النقص الحاد في صالات الافراح في منطقة الجهراء مقارنة مع الكثافة السكانية الهائلة بها، وما يزيد النقص نقصا هو موسم العطلة الصيفية التي تعتبر الموسم الذهبي لصالات الافراح في جميع مناطق الكويت، لذا يجد المواطنون في الجهراء ان الخيمة هي الملاذ الآمن لمشكلة من هذا النوع.
وانا شخصيا حاولت حل هذه المشكلة منذ اكثر من خمس سنوات، فتقدمت بطلب الى وزارة الشؤون لمنحي ترخيص بناء صالة افراح في الجهراء ورفض الطلب ورفعته مرة اخرى بواسطة احد النواب وطلب مني الموظف المسؤول عدم تحديد المنطقة، فوافقت على ذلك، ثم جاء الرد متأخرا، ومفاده أن منح تراخيص صالات الافراح تم وقفه بقرار من الحكومة.
علما ان استخراج رخصة صالة افراح في دولة خليجية مجاورة اسهل من عملية شراء كرت اتصال مسبق الدفع من احدى البقالات، ولم يكن ذلك بهذه السهولة من قبل الا بعد حدوث حريق في خيمة عرس ومقتل العشرات من المدعوين في تلك الدولة.
- 2 ـ الحكومة لم تتبن مشروعا ثقافيا توعويا مستقلا تحت عنوان الوقاية بجميع انواعها.
- 3 ـ الحوادث التي تقع تحت مظلة الكوارث في جميع دول العالم لا توجد جهة حكومية مستقلة تقوم باستخلاص الدروس والعبر المستفادة من هذه الحوادث، لأن هذه الكوارث قد تقع في يوم ما في الكويت.
- 4 ـ قانون الاحوال الشخصية في الكويت وهو قانون مستنسخ من القانون المصري ويسميه المصريون قانون «جيهان السادات»، وقد اثبت فشله في مصر ولايزال يعمل به القضاء الكويتي حتى الآن، وهذا القانون يعزز من قوة المرأة امام الرجل ويدفعها الى التهور والى سماع كلام كل من يدفعها الى التأزيم الاسري، سواء من قبل المنافقين او الحاقدين او حتى من بعض المحامين (المرتزقة)، فالمرأة في حالة الغضب من السهل انقيادها خلف شياطين الانس او الجن، وهذا ما حدث في العيون بالجهراء.
ثالثا: الأسباب غير المباشرة
هناك بعض التصرفات والمشاكل المتعلقة بالحالة الكويتية الراهنة ومنها:
- 1 ـ الازمات الدولية التي لها تأثير مباشر او غير مباشر على الاداء التنموي للدولة ومنها الازمات العسكرية والازمات الاقتصادية العالمية والمحلية (البورصة) وغيرها، وهذه الازمات مقدمة في الاهتمام على غيرها من الامور المتعلقة بحياة الفرد.
- 2 ـ العلاقة المتوترة بين السلطتين وما شابها من استجوابات متكررة ادت الى استقالة مجلس الوزراء وحل مجلس الامة، الامر الذي بدوره انعكس سلبا على اداء الحكومة وتعطيل خططها الهادفة الى تنمية المجتمع.
- 3 ـ هناك الكثير من الموهوبين وربما من المحترفين في مختلف التخصصات في الدولة الا انهم الى الآن لا يجدون من يرعاهم ويرعى مشاريعهم المتعلقة بخدمة البلد، ولا ألوم الحكومة في ذلك، فاستجواب واحد يعطل الاداء الحكومي قرابة الشهر، فما بالك بمجموعة من الاستجوابات التي تحتاج الى مجموعة من الاشهر، وهذا يعني قيادة الدولة الى الشلل والجمود وربما الى الانهيار لا قدر الله.
اخيرا، هناك اخطار ليست لها حدود وضحاياها قد يكونون بعشرات المئات، وقد تحدث في الكويت يوما ما، فهل نستطيع من الآن ان نستعد لها ام لا؟ الجواب عند صاحب القرار، وارجو ان يكون درس حريق العيون بمنزلة نقطة تحول وطنية تجاه التوعية الثقافية الوقائية.
أتقدم بخالص العزاء والمواساة لوالدنا وقائدنا صاحب السمو الامير الشيخ صباح الاحمد والى القيادة السياسية والى شعب الكويت بهذا المصاب الجلل، واخص بالتعزية والمواساة جميع اسر وعائلات ضحايا الحادث، سائلا المولى عز وجل ان يتغمدهم بواسع رحمته وغفرانه ان يشفي مصابيهم وان يلهمهم الصبر والسلوان، وانا لله وانا اليه راجعون.