التقيته في حديقة الفكر، عندما دخلت إلى تلك الحديقة من الباب الضيق والمحاذي لذلك الزقاق الخلفي المظلم حينما أدلفت للحديقة ذات مساء غابت عنه النجوم والإضاءات الرقابية، فكان هذا الحوار وكان هذا الحديث الذي لا يخلو من الشجون مع أحد الشياطين الفرعونية والمقيم بتلك الحديقة.
(أنا) لن ألتفت إلى ممارساتك بحق هذه الورود، ولن تضنيني أشياؤك الصغيرة التي ترميها في طريقي ولن يقلقني تعاملك (النزر) مع من حولك، ولن أسألك عن اهتماماتك، وهواياتك ولن افتح معك دربا تقتحم خصوصيتي عن طريقه، فأنت لست إلا مؤقتا في هذه الحديقة.
(هو) أنت هنا مغمور في عالم النسيان وخلف الكواليس المتنامية في طريقك وستظل مغمورا، إن لم (تذعن) لإملاءاتي للانتقال نحو عالم مليء بالخرافة والسحر والبريق والدهشة التي يبحث عنها الكثيرون ومن دوني لن تستطيع أن تصل إلى الأماكن البلورية الزاهية ولن «تقوم لك قائمة» إن لم تؤد طقوس الولاء وتردد تعاويذي وتصدح بابتهالاتي وتؤمن بإملاءتي وان كانت لا تتوافق مع ما تحمله أو تدعيه من ثوابت.
(أنا) قد تلفح فيما تفعله أو ما تقوم به حينما تعمم ما تحمله من هواجس وشكوك على البعض الذين يستمعون لهذيانك وينجر خلفك كل من لا يعرف مفاهيم الرحلة، ولكن تأكد أن سقوط ورقة التوت التي تستر سوءتك ليس بعيدا، لتنكشف وتظهر حقيقتك أمام كل المجاميع الرائعة وعندها لن يفيدك ما تحمله من أعذار واهية دأبت على رسمها في حضور ملوكك المردة.
(هو) أنا هنا قديم منذ القدم وأنت دخيل، فقد مر علي أمثالك ومن هم على شاكلتك الكثير والكثير وفي النهاية أذعنوا وامتثلوا بعد أن كانوا يرفعون ما ترفعه من شعارات للمبادئ والثوابت، فليس أمامك سوى خيارين لا ثالث لهما، فإما جنة إذعاني، وإما جحيم رحيلك وضياعك السابق الذي أتيت منه.
(أنا) يبدو انك «يا عفريت» تنسى أو تتناسى أو أنك مصاب بشيء من فقدان الذاكرة رغم «عفريتيتك» التي يزخر بها عقلك، فكيف تنسى النظرية المنطقية التي تقول «لا تقاتل شخصا ليس لديه ما يخسره»؟ فأنا لن أخسر سوى الجدال الذي تحاصرني به كل ليلة أربعاء، ومحاولاتك البائسة في إقناعي لتلاوة شيء من تعاويذك المتخلفة، وأن أبدي مهادنتك لأمنحك شيئا من شعور الانتصار الزائف.
(هو) أنت مسكون بروح الغرور وشعور الغطرسة وهالات النرجسية وأشياء كثيرة مقيتة هي أهم أسباب خلافي معك منذ اللحظة الأولى من لقائي بك وسر تصادمي المستمر معك كلما لقيتك في الأماكن الضيقة والسراديب والأزقة وخلف الحدائق وفي الفجوات النائية حينما أتتبعك لأكشف مصداقيتك التي تدعيها.
(أنا) لماذا لم تقل أنني مسكون بشيء من الإبداع، والمبدعون هم الوحيدون الذي يرفضون الإملاءات، فكيف يقبلون الإملاءات وهم يحلقون في فضاء الإبداع لإصلاح العالم وإعادة إعمار المدينة الفاضلة التي أضحت خرابا وأطلالا يقيم بها أصدقاؤك من عفاريت الجن والشياطين لتنشر معهم ما لا يقبله العقل والوعي الفكري؟!.. هكذا كان الحوار بعد أن هددني وتوعدني بإشارة من سبابته المدببة، دون أن ينبس بكلمة واحد اثناء رحيله مطأطئ الرأس مستوي القفا المسطح.