محمد الخالدي
أرسل مدير أحد مصانع الاحذية الاميركية شخصين من المصنع الى قرية في أستراليا ليريا امكانية توسيع الأعمال هناك، عاد الشخصان بعد فترة وسلم كل منهما تقريره الى المدير.
قال الاول: مع الاسف معظم السكان هناك لا يلبسون الاحذية، وكتب الثاني: رائع! معظم السكان هناك لا يلبسون الأحذية.
أصبحت الشكوى و«التحلطم» سمة غالبة لدى أكثر الناس هذه الايام، شكوى وتذمر من أي شيء وضد كل شيء، وكأننا بإزاء تشاؤمية مفرطة على غرار تشاؤمية الفيلسوف الالماني شوبنهور. فلم نعد نرى الا كل قبيح، ولا نسمع الا عن كل مزعج، لا شيء يطربنا ولا عمل يرضينا حتى غرقنا في التشاؤم والسواد! لا تكاد تجلس مع موظف، أي موظف في أي مكان، الا وتسمع نفس الحديث المتكرر كل يوم ودون كلل والذي يعبر في نهاية الأمر عن عدم الرضا، ولذلك فلا غرابة أن تهبط مستويات الانتاجية والعمل الى أدنى مستوياتها.
شاهدت رجلا ذات مرة يصرخ ويرعد ويزبد على احدى الموظفات في ادارة العلاج بالخارج، والسبب معروف بالتأكيد هو التأخير وطول فترة الانتظار، ومن ضمن ما قاله الرجل انه ايضا موظف ولديه مراجعون ينتظرونه وليس من المعقول هذا التأخير. بعد فترة من الزمن شاءت الصدفة أن ألتقي بنفس هذا الرجل وكان مجموعة من المراجعين ينتظرون خارج مكتبه لأكثر من نصف ساعة والسبب انه كان «يتريق» - يفطر.
من المفارقات العجيبة التي نسمعها كثيرا هذه الايام تلك المقارنات التي يرددها البعض بين دول مجلس التعاون الخليجي وكيف استطاعت دبي أن تتخطى وتتجاوز بمراحل بقية دول المنطقة، ورغم أننا نبارك للاخوة في الامارات وبقية الدول ونفرح لأي تقدم يحرزونه في أي مجال، الا ان القول ان الكويت لم تعد كما كانت من الريادة والتقدم فيه الكثير من الاجحاف والنظر الى النصف الفارغ من الكأس.
لأن ما تحقق لدينا كثير وما يجري الاعداد له أكثر، فالوضع ليس بهذا السوء والممارسة الديموقراطية «الحادة» بين السلطتين لا ينبغي أن تعمي أعيننا عن رؤية النصف الممتلئ من الكأس والذي يدعو الى التفاؤل والفخر فلا حاجة بنا الى كل هذا التبكيت وجلد الذات وإلقاء اللوم على الآخرين و«التحلطم على الفاضي والمليان»!
ففي النهاية نحن من يعمل وعلينا تقع مسؤولية النهوض ببلدنا من خلال اتقاننا لأعمالنا، نحن من يقضي ساعات العمل «بالريوق» وتصفّح الجرائد والتهرب من العمل، فلا نتوقع بعد ذلك أن يأتي «سوبر مان» من الخارج وينجز المهام المطلوبة بدلا منا.
بعد بضعة أعوام، أصبح الثاني مديرا ناجحا في حين بقي صاحبنا الاول ذو النظرة القاصرة كما هو، ولم يعد المدير يرسله لاستكشاف فرص عمل في أماكن جديدة، لكن الجميل في الأمر انه لم يذهب لعضو مجلس أمة حتى يتوسط له في ترقية لا يستحقها.