قال نتشه «في العزلة تلتهم ذاتك، وفي الحشد يلتهمك الناس»!
وما بين العزلة والحشد، ومسؤوليات تطاردني ليل نهار بلا انتهاء، لا تهدأ ولا تستكين حتى تأكل مني العمر كله والأعصاب يتجاوز مداها حدود العدم، تحيلني إلى ما يشبه الآلة، وتجعلني أدور في دائرة من فراغ، أبحث فيها منذ سنين عن «زاوية» تكسر وتيرة هذا العماء، فلا شيء غير الضجر، «رحى تدور.. وحولها بشر».
البعض يعيش كالآلات التي تعمل بلا توقف، حتى إذا ما أصابها الخراب سيقت إلى حيث مكب الخرداوات، ترمى ويطويها النسيان وكأنها لم تكن، غارقون في الهموم إلى حد الانحدار، والمستقبل مجهول غامض، وجه شائه بلا ملامح ولا تفاصيل، لا يخبرك ـ إن أخبرك ـ بأكثر مما تعرف
بالنسبة لمتفرج مثلي، يراقب من بعيد ـ وبلا اكتراث ـ عالم يدور ويطحن، تتحاشر فيه الوجوه المتلصصة وتتدلى منه الأجساد المتلاصقة للظفر ببعض ما يحمله هذا الكون من رتابة وجنون، تتساوى عنده الشكوك باليقين، والسكون بالضياع، والغربة بالوطن، وتصبح في ناظريه كل الأشياء وكأنها مرصوصة على جدار عتيق، يمتد عبر حواري مدينة مهجورة ليس فيها أكثر مما تأخذه الريح من البلاط (cum deus calculat, fit mundus).
الأبله يضع على اليمين ما ينبغي أن يوضع على اليسار، ويضع على اليسار ما ينبغي أن يوضع على اليمين، لأنه لا يميز الاتجاهات. بالنسبة «للأسوياء» هو مجرد أبله لا يعي ما يدور في هذا العالم، وهم بالنسبة له مجموعة من «المجانين» يدورون في هذا العالم بلا وعي، رحى تدور.. وحولها ضجر!
[email protected]