دخل رجل إلى قرية صغيرة وتوجه إلى المسجد، فوجد أهل القرية كلهم يبكون وينوحون، قال: ما بكم؟ فرد عليه أحدهم: لقد سرق المصحف قال الرجل: كلكم يبكي، فمن سرق المصحف؟!
ما حدث أمر مؤلم بلا شك، مؤلم للجميع. ولكننا في أوقات الشدة والغضب بحاجة أكثر إلى الحكمة وصوت العقل، ومن يتابع الخطاب المشحون بروح التشفي والانتقام والدفع نحو تأجيج الفتنة، فسيدرك بالتأكيد حجم المأساة التي نعيشها، وحجم الكارثة التي ستصيبنا - لا قدر الله - إذا استمرت الأمور على ما هي عليه، والتي لن ترحم أحدا، فالغضب يعمي صاحبه عن الحق ورؤية الأمور كما يجب.
الأصل في علاقة الحكومة بمجلس الأمة هو التعاون، وبالتالي من العبث - أو العبط - الحديث عن انتصار للحكومة على المجلس أو العكس، فإذا لم تكن العلاقة بين السلطتين علاقة تعاون من أجل بناء الكويت، فكلنا خاسرون ولا يوجد بيننا منتصر، وكذلك الحال على مستوى الوحدة الوطنية، فالأصل بالنسبة لعلاقة أفراد المجتمع فيما بينهم هو التواد والتواصل والتراحم والترابط والتضامن الاجتماعي، هكذا علمنا الإسلام وهكذا حدد الدستور تلك العلاقة، فإذا سادت الكراهية وروح الانتقام بين الناس، فهذا أيضا فشل لن نجني منه سوى الدمار والشقاء على الجميع.
كلنا مخطئون وكلنا مقصرون، لم يعد يجدي أن نبحث عن مسؤول يتحمل وزر كل هذا العبث. كلنا يبكي ويصيح: لقد سرقوا الكويت.. لقد سرقوا الكويت، فمن سرقها إذن؟! أما آن لهذه النفوس الغاضبة أن تهدأ، أما آن لهذه الصدور المشحونة بالانتقام أن تستريح، هل المطلوب أن يسقط منا قتلى بلا ذنب حتى نتوقف، فمن سيتحمل وزر تلك الأنفس البريئة إذن؟!
أيها النواب الأعزاء، مطالبتكم بإقالة سمو رئيس مجلس الوزراء بعيدة كل البعد عن الواقع والصواب، وفيها تدخل غير مقبول في صلاحيات سمو الأمير، تملكون وسائل دستورية في المحاسبة والرقابة، أرجوكم مارسوا صلاحياتكم دون تعد على صلاحيات الحكومة والأهم دون تعد على صلاحيات صاحب السمو الأمير. لكم حقوقكم ولهم حقوق.
تصالحنا مع من غزا أرضنا وشرد شعبنا ودمر بلادنا وانتهك أعراضنا، وتناسينا غدر من وقف ضدنا شامتا وفرحا بما حل بنا، وتجاوزنا عمن كان بالأمس يرفع صور الطاغية أثناء محنتنا، تسامحنا مع كل الذين أساءوا إلينا أشد الإساءة، وعدنا معهم كما كنا نأخذهم بالأحضان ونقدمهم على أنفسنا، فلماذا نعجز اليوم عن أن نتسامح ونتصالح مع بعضنا ونحن شعب واحد وأسرة واحدة يكاد يترابط كل أفراده ببعضهم بعلاقات نسب أو جوار أو زمالة أو صداقة؟!
يا لها من انتكاسة.. إلى من يقضون معظم وقتهم خلف شاشات الكمبيوتر بحثا عن مشاهد الصراع والعنف، ثم يلقون ما في نفوسهم من غضب وجنون في بضعة أسطر وكلمات، يتبادلون فيها الاتهامات ويوزعون الخيانات والمؤامرات، أدعوكم لقضاء بعض الوقت في تصفح مقاطع التسجيلات المتوافرة عن فترة الاحتلال العراقي، كيف كنا جسدا واحدا يشد بعضه بعضا، لا فرق بين سني ولا شيعي، ولا حضري ولا بدوي، ولا إسلامي ولا علماني، ولا حكومي ولا شعبوي. اتقوا الله فإنكم تشعلون نارا لن تحرق غيرنا!
[email protected]