محمد الخالدي
في تمام الساعة الثانية والنصف ظهرا، وأنا في طريق العودة للمنزل شاهدت مجموعة من «العمال» من مختلف الجنسيات، يعملون في درجة حرارة لا تقل عن الخمسين درجة سيليزية، يحملون الاسمنت على أكتافهم، ويرفعون الطابوق والحديد، والعرق يتصبب من جباههم صبا، وجوههم تكاد تحترق من لهيب هذا الجو الحارق، وأنا في السيارة أنعم ببرودة التكييف، ومع هذا لا أكاد أطيق نفسي.. آه ما أقسى الحياة على الفقير! في يوم جمعة وفي جو لاهب يذيب الحديد، تغلي الدماء في الرؤوس، يعمل هؤلاء «البشر» دون ان يتحرك في «أصحاب العمل» ذرة من الشفقة أو الشعور الإنساني، فأي قلب يحمله هؤلاء!
سلّم الإمام وهمّ المصلون بالانتشار، وإذا برجل مسن، شاحب الوجه، هزيل البدن، رث الثياب، ذابل الهيئة، قام والذل يعلو جبينه، وبرعشة تنم عن انكسار وقلة حيلة قال: أخوكم بالله يطلب المساعدة منكم، عيالي جياع وبيتي فارغ والديون أرهقتني و... آآآآآآه، اغرورقت عيناه بالدموع، وعلا وجهه الخذلان والحسرة ومضى الناس في سبيلهم غير آبهين، إلا القليل!
تشاجر اثنان من طلبة المرحلة الابتدائية أمام باب المدرسة «بالهدّة»، صبيان صغيران مثل غيرهما من الصغار ممن تنتهي «غشمرتهم» عادة بمشاجرة صغيرة، لا مشكلة، المشكلة ان أحد أولياء الأمور «الكبار» تقدم إلى صبي منهما وأعطاه قلم حبر وبدأ يصرخ عليه والشرر يتطاير من عينيه «هاك.. طقه.. لا تخلي حقك»! نظرت للمدرسة وفي نفسي حسرة وقفزت أمامي المقولة الشهيرة «وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر»؟!