لا يختلف أحد على أن مفهوم «المعارضة» لدينا في الكويت ليس المقصود به المعنى المتداول عادة في كثير من الدول، أي معارضة نظام الحكم، وإنما المقصود به تحديدا عدم الاتفاق مع «الحكومة» و«الاعتراض» على سياساتها التنفيذية، وهو أمر مشروع ومفيد ولا خلاف عليه أيضا.
ولكن، هل يكفي دور المعارضة بهذه الصورة التي نشهدها في الكويت منذ سنوات لتكون حركة وطنية تساهم في بناء الدولة؟ هل يكفي «الاعتراض» على هذا الوزير والمطالبة بإقالة ذاك الوزير أو المطالبة بوقف مشروع هنا وقانون هناك؟ هل يكفي هذا الدور الصغير، رغم أهميته أحيانا، لمن يقفون اليوم موقف المعارضة ضد سياسات الحكومة وتقصيرها؟
بالنسبة لي على الأقل، لا أعرف ما هو مشروع المعارضة السياسي، أعرف أنهم وطنيون يسعون بكل جهدهم إلى الحفاظ على المال العام والدفاع عن مكتسبات المواطنين وأهمها الحريات العامة، هكذا يبدو لي على كل حال، رغم قناعتي بأن هناك من لديه مصالح شخصية وتطلعات سياسية تختلط أحيانا بقضايا الصالح العام والحريات، وبصورة عامة تمكنت هذه المعارضة في السنوات الأخيرة الماضية من وقف بعض التجاوزات وإجبار الحكومة على معالجة بعض الأخطاء ما كان للحكومة أن تعالجها لولا جهود المعارضة، ولكن كل هذا لا يمثل مشروعا سياسيا، فغالبا يكون الاعتراض على «شخص» الوزير أكثر من سياساته، وتصبح المطالبة برحيله هدفا بحد ذاته، دون أن يكون لدى المعارضة خطوة لاحقة لمعالجة الأسباب ومحاسبة المقصرين حتى بعد رحيل الوزير، وهكذا نجد أنفسنا في كل مرة ندور في دائرة من فراغ تتكرر فيها الأحداث برتابة مزعجة، وهو أمر يجب تداركه من قبل نواب المعارضة الحاليين خاصة أن عددهم في تزايد ما يتطلب تنسيقا واتفاقا على مجموعة من المبادئ العملية التي تضمن إيجاد حلول واقعية لما يحدث، وإلا سنجد أنفسنا أمام الحد الأدنى من العمل السياسي والدور المطلوب من المعارضة وهو مجرد «الاعتراض» على الأشخاص بدلا من إصلاح السياسات ذاتها وآليات العمل.
باختصار شديد، أتفق مع قوى المعارضة في انتقادها واعتراضها على أداء وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد على سبيل المثال، ففي عهده شهدت الكويت ممارسات قمعية وبوليسية ضد المواطنين لم تعرفها الكويت طوال تاريخها، ولكن هل يكفي أن يكون الهدف مجرد إقصاء الوزير عن منصبه، أم أننا بحاجة إلى معالجة كل القضايا والقوانين والعوامل التي أدت بنا إلى هذا الوضع البوليسي الجديد، سواء من تشريعات قاصرة أو تداخل وتقاطع غير مقبول في الصلاحيات بين مؤسسات الدولة أو في تبعية بعض الإدارات مثل الطب الشرعي وغيرها؟ نحتاج معارضة لديها مشروع سياسي واضح وخطوات عملية مدروسة، وليس مجرد ردود أفعال على ردود أفعال الحكومة!
[email protected]