بينما كنت أقف مع الصديق العزيز د.محمد الوهيب ومديرة البحوث في المنظمة الدولية لللاجئين د.مورين ليتش وبعض الزملاء الصحافيين الأجانب من فرنسا وبريطانيا وغيرها نتابع ما يجري في مظاهرة «البدون» في تيماء أمس الأول، وإذ بأحد ضباط الشرطة يطلب منا الابتعاد قليلا لأن «الهجوم سيبدأ» على حسب قوله، وفجأة ومن دون سابق إنذار للمتظاهرين انطلقت العربات المصفحة وفوقها رجال القوات الخاصة وهم يطلقون القنابل الدخانية والمسيلة للدموع باتجاه المتظاهرين العزل، وفيهم الأطفال والنساء وكبار السن، ثم انطلق صوت من خلف صفوف القوات الخاصة يأمرهم بالهجوم ويصرخ فيهم بأن يلقوا القبض على المتظاهرين، فانطلق رجال القوات الخاصة وبدأوا بالتعامل مع المتظاهرين بكل عنف وقسوة لم أكن أتصور أبدا أن أراها في بلادي الكويت. الكل أصيب بالذهول والصدمة من هذا التصرف السريع والقاسي، ولكن الأغرب منه هو تصرف رجال المباحث والقوات الخاصة مع الصحافيين والإعلاميين الذين كانوا موجودين لأداء مهمتهم وتغطية الحدث، فكان واضحا جدا أن هناك أوامر صريحة بمنع التصوير ومنع الصحافيين من نقل الصورة الأليمة. شاهدت في تلك المظاهرة وفي تعامل وزارة الداخلية مع المتظاهرين والصحافيين وحتى المتفرجون الذين كانوا يقفون على بعد من مكان الحدث أبشع صور البطش والعنف والقسوة، رأيت أحد ضباط القوات الخاصة وهو «يمد يده» على فتاتين ويصرخ فيهن ويسبهن وبكلام بذيء، ورأيت آخر يضرب أحد الزملاء المصورين ويسحب كاميرته، ورأيت آخر «يجرجر» زميلا صحافيا ويحتجزه في سيارة الشرطة، رأيت رجال القوات الخاصة والمباحث وأمن الدولة وهم يقتحمون بعض المنازل المطلة على الساحة الترابية التي بدأت فيها المظاهرات وينتهكون حرمات تلك المنازل بلا تردد، ورأيت القوات الخاصة وهم «يسحلون» رجلا ويلقون به في إحدى سياراتهم بكل قسوة، ولم أسلم أنا أيضا من بعض الأذى والتهديد من رجال المباحث والقوات الخاصة، كما لم تسلم د. مورين ليتش في تلك الأحداث المأساوية واضطرت أكثر من مرة إلى الاختباء بين المنازل خوفا على حياتها في ذلك الموقف المرعب.
قد يبدو هذا التصرف العنيف من قبل القوات الأمنية «انجازا كبيرا» بالنسبة لوزارة الداخلية، حيث حسمت الموضوع في دقائق وأنهت المظاهرة بسرعة كبيرة، أما تأثير هذا «الانجاز» على سمعة الكويت وعلى حقوق هؤلاء البشر فيبدو أنه آخر اهتمامات «الداخلية».
العنف لم يحل يوما أي مشكلة، بل كان دائما عنصر هدم وعامل تأجيج ودافعا للعنف المضاد، والتاريخ مليء بالعبر والدروس ولكن أين من يقرأ التاريخ ويتعلم من الدروس؟!
[email protected]