عندما كلف صاحب السمو الأمير حفظه الله وأعاده للوطن سالما معافى، سمو الشيخ ناصر المحمد لتولي رئاسة مجلس الوزراء عام 2006 هتف الناس جميعا مرحبين ومستبشرين بالخير، ووصفوا سمو الشيخ ناصر المحمد بالرجل الإصلاحي ولم تكن هناك أي مشكلة بين الحكومة والبرلمان، إذن ما نشهده اليوم من توتر في العلاقة والتي وصلت إلى حد المطالبة بإقالة سمو رئيس مجلس الوزراء أمر طارئ جاء نتيجة سلسلة من الممارسات السياسية التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه من حال، المسألة إذن ليست شخصية، والممارسات السياسية الخاطئة التي تسببت في كل هذه الفوضى والخلل هي ما نسميه ببؤر التوتر.
***
أمر طبيعي أن يختلف أعضاء البرلمان مع أعضاء الحكومة حول إقرار بعض القوانين، فلكل طرف وجهة نظر ومبررات ورؤية ومعلومات تشكل قناعاتهم، مادام الخلاف داخل قبة البرلمان انتهى بالتصويت والقبول برأي الأغلبية فإننا نكون ديموقراطيين وعلى المسار الصحيح، لكن متى ما خرجت الأمور عن هذا الإطار وبدأت محاولات «فرض» الرأي بطرق غير مشروعة (بالرشوة أو توزيع مناصب أو توقيع معاملات أو حشد الشارع.. الخ) فإننا نخرج حينها عن مسارنا السليم، وهذا ما نعيشه اليوم ويشكل إحدى بؤر التوتر في علاقة البرلمان بالحكومة، والحل هنا يتطلب أن نعترف بوجود هذه الممارسة الشاذة من كلا الطرفين، وأن تتوقف الحكومة عن استغلال الأموال العامة والسلطة في ممارساتها السياسية، وأن يتوقف النواب عن حشد الشارع والتعسف في استعمال الاستجواب، كما أن تقييم أداء النواب أو الدفاع عن سياسات الحكومة ليست من مهام النواب، ومن غير المقبول أن يتفرغ بعض النواب لانتقاد زملائهم أو يتحولوا إلى محامين للحكومة.
***
تعيين رئيس الوزراء حق دستوري أصيل لصاحب السمو الأمير، وأي مطالبة بإقالة رئيس الوزراء هي تدخل صارخ في صلاحيات صاحب السمو الأمير، وهذا أمر مرفوض بالتأكيد، وربما تعد مطالبة بعض النواب برحيل سمو الشيخ ناصر المحمد احدى كبريات بؤر التوتر التي نعاني منها اليوم، إذ كيف يتوقع هؤلاء النواب أو مؤيدوهم من المواطنين أن تتم الاستجابة لمثل هذا الطلب الغريب، هل تريدون «فرض» قراركم على صاحب السمو الأمير؟ لو طلبت من أحد النواب أن يقيل أحد موظفي السكرتارية لديه «بالغصب» لما قبل ذلك ولاعتبرها إهانة وتدخلا في شؤونه بلا شك، نعم هناك أخطاء وقصور في أداء سمو الشيخ ناصر المحمد، وقد اعترف سموه بذلك مرارا، ولكن المطالبة بإقالته ليست حلا وإنما فتنة وبؤرة توتر، والحل هنا أن يكف المطالبون برحيل الشيخ المحمد وأن يغيروا خطابهم الاستفزازي الذي فيه تعد على صلاحيات صاحب السمو الأمير، لديكم أدوات رقابة ومحاسبة دستورية وعليكم أن تستخدموها بلا تعسف وساعتها «محد يلومكم».
***
شهدت الكويت خلال فترة تولي سمو الشيخ ناصر المحمد رئاسة الحكومة منذ 2006 وفرة مالية كبيرة، كما أقر في عهده خطة التنمية الطموحة والتي لم تقر منذ عام 1986، وكل عوامل النجاح كانت - وما زالت - موجودة، ومع هذا شهدت الكويت خلال هذه الفترة ربما أسوأ حالاتها، ووصلت حالة التوتر والاحتقان بين الحكومة والبرلمان إلى أقصى درجاتها، وأصبحنا نعاني من ممارسات سياسية غريبة تبعدنا يوما بعد يوم عن التضامن الخليجي خاصة فيما يتعلق بالعلاقة مع إيران باختصار شديد الحكومات المتعاقبة في عهد الشيخ المحمد لم تنجح في مهمتها، وهذا ما يفسر كثرة الاستقالات وحل البرلمان، فأداء الحكومة هو احدى بؤر التوتر الكبيرة والتي تتطلب تغييرا حقيقيا وإلا فستستمر الأوضاع من سيء إلى أسوأ.
***
باعتقادي هذه أهم عوامل التوتر والتأزيم، بقية الأمور كالخطاب الإعلامي الاستفزازي وتدني لغة الحوار في قاعة عبدالله السالم والنزول المتكرر للشارع والمواجهات غير المبررة بين المواطنين ورجال الأمن وغيرها ما هي إلا نتائج وأوراق يستخدمها كلا الطرفين في نزاع خرج عن السيطرة، وأدخلنا في مرحلة الخطر.
[email protected]