محمد الخالدي
عندما كنت أدرس في الجامعة كنت حينها ماركسيا حتى النخاع لدرجة أنني درست اللغة الألمانية فقط من أجل قراءة نصوص كارل ماركس كما كتبها بلغتها الأصلية، ومع أن الطلبة كانوا ينادونني «الماركسي» كصفة سلبية إلا أنني كنت حينها أشعر بالسعادة لهذا الوصف.
وفي السنة الثانية سافرت إلى ألمانيا وقمت بزيارة جامعة ميونخ، والتقيت هناك بمجموعة من الطلبة من الحزب الشيوعي، شباب يمارسون حياتهم تماما بناء على معتقداتهم، ظاهرهم كباطنهم.
جلست معهم قرابة الأسبوع وتأثرت كثيرا بطريقتهم في التنظيم والعمل والصدق.
وكنت أنتظر عودتي إلى الكويت بفارغ الصبر للبدء بتأسيس حركة أو مجموعة مثلهم تتبنى الفكر الماركسي الشيوعي.
وعندما عدت بدأت بالفعل الاتصال بعدد من الأصدقاء وزملاء الدراسة واستطعنا أن نكون مجموعة صغيرة من الطلبة المؤمنين بالماركسية كمنهج للحياة، وبدأنا نجتمع ونحاول وضع الأسس لحركتنا الجديدة، والنتيجة؟! طلبة ماركسيون يتحدثون عن المساواة وتوزيع الثروة وحقوق العمال وكل واحد فيهم يركب سيارة ثمنها يكفي لإعالة 10 آلاف أسرة فقيرة، ويحمل قلما مذهبا قيمته تعادل أجور 50 عاملا من عمال كوريا أو مرسيليا الجائعين.
لم يتطلب الأمر كثيرا حتى ندرك الفجوة الكبيرة بين التنظير والواقع، بين الممارسة والفكر.
فأخذنا نضحك على أنفسنا ونقول «إحنا وين والماركسية وين»؟
كنت أشاهد مقطع ڤيديو للشاعر المصري الكبير أحمد فؤاد نجم وهو يقود مظاهرة مكونة من آلاف الشباب المصري ويهتف بأبيات شعر وهم يرددونها معه حفظا عن ظهر قلب، رجل عجوز تجاوز الثمانين من عمره (الله يعطيه الصحة والعافية) سجن وعذب منذ أيام جمال عبدالناصر وأنور السادات وحتى الآن، ورغم ذلك لايزال محافظا على مبادئه وحبه لوطنه.
عجوز فقير ومعدم يعيش في «خرابة» على الرغم من أنه لو عرض مجرد عرض بسيط أن يقبل ويتنازل قليلا عن الروح الثورية التي يحرك بها شباب مصر لأصبح من كبار أغنياء القاهرة!
عندما نتأمل في حال بعض رجال السياسة في الكويت من الوزراء أو النواب أو حتى «الناشطين السياسيين» يصيبنا الذهول، فهم بالتأكيد لا يختلفون عن حال الطلبة الشيوعيين المرفهين وهم يتحدثون عن المساواة والتوزيع العادل للثروة، كلام منمق وعبارات جميلة وشعارات براقة لكن مع الأسف بلا أي مضمون واقعي، لكن الغريب في الأمر أن أمورهم «ماشية عال العال» حتى أصبحوا «رموزا وطنية»! مع أن هناك فارقا كبيرا بين الطلبة الشيوعيين السذج وهؤلاء السياسيين، على الأقل فقد كان الطلبة صادقين مع أنفسهم وتوقفوا عن الاستمرار في «التمثيل».
أما السياسيون فكثير منهم لايزال يمارس اللعب والضحك على الذقون وكل واحد وشطارته؟!