محمد الخالدي
مع أنني لست من متابعي الصفحات الفنية ولا الرياضية في الصحف اليومية على الإطلاق، ولكن يحدث أن تقع عيني بين الحين والآخر على «مانشيتات» غريبة تجبرني على التوقف.
من هذه العناوين هناك عنوان يتكرر باستمرار وبنفس الكلمات تقريبا، وكأنه من أساسيات التصريحات الصحافية التي يطلقها كثير من الفنانين والمطربين هذه الأيام، فجميعهم يقولون عن أنفسهم إنهم «خارج المنافسة» وكل واحد منهم يتحدث عن نفسه بأنه الأفضل.
أمر غريب حقا أن تصل الوقاحة إلى هذه الدرجة، للدرجة التي أصبح فيها تنافس كثير من المغنيات على التعري والإغراء أكثر من أي شيء آخر.
والغريب أكثر أن تشاهد مغنية جديدة «يا دوب طالعة من البيضة» وفي أول لقاء صحافي أو تلفزيوني لها لتقول ـ هي عن نفسها ـ إنها الأفضل والأحسن والأجمل والأكثر إغراء، هكذا بكل وقاحة.
صناعة المغنين والممثلين أصبحت هذه الأيام أشبه بصناعة علب الطرشي (المخلل) المحلي، نفس العلب ونفس المكونات ونفس الطعم، الفرق فقط في الملصق والاسم، وكلها صناعة محلية على طريقة «مشّي حالك»، فهناك دائما من يشتري ولو لمرة واحدة، ومن باب الفضول على الأقل، وهذا كاف بالتأكيد لصاحب «البيزنس».
الحديث عن الفن وانحداره إلى الدرك الأسفل بات حديثا مملا وأتصور أن الناس سئموا ذلك بعد أن أدركوا أن مصنع «كبس المغنين» ووضعهم في علب وتسويقهم وفرضهم على القنوات الفضائية والإذاعات ليل نهار لا يأبه ولن يهتم بالذوق العام، فالمسألة محسوبة بالأرقام، تكلفة إنتاج «علبة مغن» تساوي كذا وبيعها يساوي كذا والنتيجة أنه سيربح كذا، انتهى الموضوع وكل ما عدا ذلك لا يهم.
والحق أن اللوم لا يقع على هؤلاء التجار وإن كانت عليهم مسؤولية أخلاقية فرطوا فيها مع الأسف، ولكنهم في النهاية تجار يسعون للربح ليس أكثر، أما مسألة الذوق العام فهي مسؤولية تربوية يشترك فيها مؤسسات تبدأ بالأسرة والمدرسة والمسجد والنادي وجماعة الأصدقاء، وهي مؤسسات مقصرة في أداء دورها بكل وضوح وهي من يجب أن نلومها بالدرجة الأولى، فأمر طبيعي أن ينحدر مستوى الذوق العام عندما ينحدر دور الأسرة الرقابي والتوجيهي وتنهار مؤسسة التعليم وتتحول إلى مؤسسة لتخريج عقول فارغة من أي محتوى فكري وأخلاقي.
انه التعليم أولا والتعليم آخرا، فأي انحدار في مستوى الذوق والسلوك العام والوعي يعني بالضرورة وجود خلل في هذه المؤسسة، ببساطة لأن دورها هو الارتقاء بالخلق والتنشئة الاجتماعية السليمة.