محمد الخالدي
أصبحت حياتنا سلسلة متلاحقة من الأخبار وخاصة الأخبار السياسية، وأصبح الإنسان العربي اليوم مطحونا بكمية هائلة من الأخبار تطارده أينما حل وأينما توجه رغما عنه، المذيع يقرأ نشرة الأخبار كل ساعة ثم يقرأ موجزا للأخبار كل نصف ساعة، وشريط الأخبار يمر على شاشات التلفزيون على مدار اليوم، وشريط آخر يقفز فوقه بين لحظة وأخرى ليصعقنا بخبر «عاجل»، البرامج الحوارية أغلبها عن السياسة وأخبار السياسيين، الصحف اليومية تعج بالأخبار السياسية، وما بين هذا وذاك يرن جهاز الهاتف النقال في محاولة لإثبات وجوده هو الآخر وسط هذه المعمعة الإخبارية ويقول لك «لديك رسالة» هي أيضا خبر سياسي حزين!
مسكين هذا المواطن العربي، حياته رحلة شقاء تمتد من صرخة الميلاد إلى صرخة الموت، لا وقت لديه للاستمتاع بالحياة، فهو مشغول من مطلع النهار إلى منتصف الليل في ملاحقة «لقمة العيش»، مهموم وقلق في كل لحظة من لحظات حياته على مستقبل أولاده، وهو معذور فالواقع مؤلم ومرعب ويكفي أن يفكر مجرد تفكير فيما يمكن أن يفعله لو تعرض أحد أبنائه للمرض وهو يعلم أنه عاجز وأن وطنه لن يبالي به ولا بمرض أولاده.
المواطن العربي مكسور ومهزوم من الداخل، يعلم في قرارة نفسه أن وطنه ليس للجميع وإنما هو لفئة خاصة جدا، وأنه بالتأكيد ليس من هذه الفئة، ولا يملك سوى متابعة «الأخبار» التي تكرس انكساره وشعوره باليأس والخنوع.
الغريب في الأمر أن الإنسان العربي أصبح متقبلا لهذا الوضع وكأنه في حالة عشق مع هذا الألم والمرارة، فهو حتى لا يستسيغ سوى أخبار الحروب ولا يتابع سوى أعداد القتلى من الانفجارات، بل إنه لا يستمتع إلا بمواويل الحزن ولا تطربه سوى «نايات الصبا» ولا تعجبه سوى قصائد البؤس والشقاء ولا ترضيه سوى المسلسلات المليئة بالمآسي والنكد، أصبح في حالة انسجام وتوافق مع الحزن والشعور بالمرارة لدرجة أنه يرفض أي مساحة للفرح والاحتفال ويعتبرها أمورا «دخيلة» على المجتمع، فهو يسمع الأغاني الحزينة (عادي)، أغاني أم كلثوم وفيروز لأنها تبكيه، ولكن أغاني الفرح و«الفرفشة» تصبح بالنسبة له «مسخرة وقلة أدب» ويربطها مباشرة بحال «الأمة» التي يجب أن تبقى متشحة بالسواد، هكذا يتقبل الأمر ويتعايش معه ويحارب أي محاولة لتمرير الابتسامة لأنه يؤمن بأن الحزن والمعاناة في الحياة الدنيا جزء من كينونة الإنسان.