ربما لم يتعرض أي مصطلح لحملة تشويه وتجن وإساءة استخدام وشيطنة أكثر من مصطلح «الإسلام السياسي»، لدرجة أن المسلم اليوم مطالب بإعلان تبرئه من «الإسلام السياسي» كل يوم 7 مرات ليثبت للجميع أنه «مواطن صالح».. فأي بؤس هذا؟!
***
دعوني أذكر لكم بعض الحقائق. في ألمانيا الحزب الذي يحكم منذ 2005 وحتى اليوم اسمه «حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي»، وهو الحزب الذي تنتمي إليه مستشارة ألمانيا الاتحادية السيدة انجيلا ميركل، وفيه نجد مكتوبا في المبادئ التأسيسية للحزب نصا يقول: «يعمل الحزب على تطبيق المبادئ الديموقراطية المسيحية، ويؤكد على الفهم المسيحي للبشر ومسئولياتهم تجاه الله»، ومن بين أهداف هذا الحزب المعلنة «نشر التعليم الاجتماعي الكاثوليكي».
وفي استراليا يهيمن «الحزب الديموقراطي المسيحي» على البرلمان ولديه ممثلون في الحكومة، والحزب يرفع شعار «دعم المسيحيين ورفع القيم المسيحية» وكذلك حزب العمل الديموقراطي الذي يعلن أنه حزب مسيحي. وفي بلجيكا يعتبر «الحزب المسيحي الديموقراطي الفلمنكي» أحد أهم الأحزاب التي تهيمن على الحياة السياسية ومنه ترشح أغلب السياسيين لمناصب عليا ليس في بلجيكا فحسب، بل في الاتحاد الأوروبي أيضا مثل هيرمان رومبوي الذي شغل منصب رئيس المجلس الأوروبي في الفترة من 2009 - 2014م، وهو أيضا حزب سياسي يتبنى صراحة وعلنا الفكر المسيحي الكاثوليكي ويعمل على ترسيخ القيم الدينية المسيحية. وعلى سبيل المثال وليس الحصر، هذه قائمة بأهم الأحزاب المسيحية الكبرى التي تحكم ولها أغلبية برلمانية ووزراء وتمارس عملها بأهداف معلنة قوامها نشر المسيحية والدفاع عنها ورفع شأن قيمها الدينية، وإلا كيف باعتقادكم تتم محاربة تشريعات الإجهاض والقتل الرحيم والمثلية الجنسية والمنتجات الإباحية وغيرها؟
في الأرجنتين الحزب الديموقراطي المسيحي، في النمسا حزب الشعب النمساوي وهو حزب مسيحي ديموقراطي، في البرازيل الحزب الديموقراطي المسيحي الاجتماعي، في بلغاريا التحالف المسيحي البلغاري، في كندا حزب الديموقراطية المسيحية وحزب التراث المسيحي، في تشيلي الحزب الديموقراطي المسيحي، في كولومبيا الحزب الوطني المسيحي، في كوستاريكا حزب الوحدة الاجتماعية المسيحية، في كرواتيا حزب الاتحاد الكرواتي الديموقراطي المسيحي، في الدنمارك الحزب الديموقراطي المسيحي وحزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي.. الخ.
لاحظوا، شرقا وغربا أحزابا سياسية تعمل بمسمى ومبادئ وقيم وأهداف دينية مسيحية. وبصورة عامة، الأحزاب المسيحية هي التي تسيطر على معظم المقاعد في جميع البرلمانات الأوروبية، وهم يشكلون دائما «الأغلبية البرلمانية» ويمارسون عملهم في الرقابة والتشريع بناء على خلفية دينية ويفتخرون باستمرار بأنهم مسيحيون مؤمنون.
***
فلسفيا، كل الأحزاب المسيحية التي تطلق على نفسها تسمية «الديمقراطية المسيحية» هي امتداد لأفكار القديس توما الأكويني (فيلسوف لاهوتي وقديس وأحد معلمي الكنيسة الـ 33، توفي عام 1274م). معظم هذه الأحزاب كانت تعمل بمسمى «حزب العمل الكاثوليكي»، ثم غيروا هذه التسمية بعد الثورة الفرنسية وما تلاها من هجوم على الكنيسة لتصبح بمسمى «الديمقراطية المسيحية».
وفي الولايات المتحدة، رغم هيمنة الحزب الديموقراطي والحزب الجمهوري على العملية السياسية واحتكارها، إلا أن هناك أحزابا «ديمقراطية مسيحية» ومعظم السياسيين المنتمين للحزب الديموقراطي والجمهوري متدينون ويمارسون عملهم بخلفية دينية مسيحية ويفاخرون بهذا، بل إن بعض رؤساء الولايات المتحدة ينتمي لأحزاب دينية متشددة مثل الرئيس السابق بوش الابن (ينتمي للمسيحية الميثودية المنشقة عن الكنيسة الانجليكانية).
***
الخلاصة.. في أوروبا وأميركا وروسيا والهند وغيرها أحزاب دينية، وهي أحزاب سياسية تنطلق من منطلقات دينية كاثوليكية وبروتستانتية وارثوذوكسية وهندوسية وغيرها، مبادئها دينية وأعضاؤها متدينون والجميع يفتخر بهذا. فلماذا إذن تصبح الأحزاب السياسية الإسلامية جريمة وتهمة، ومحاربتها وقتل أصحابها واعتقالهم وتعذيبهم والتنكيل بهم وبأسرهم ومنعهم من العمل السياسي أصبحت مدعاة للفخر والاعتزاز وادعاء البطولات؟!
***
قبل أيام، قال الرئيس المصري السابق حسني مبارك بفخر واعتزاز حرفيا: «لقد قمت بإفشال مخططات الإسلام السياسي بعد السادات».
[email protected]