محمد هلال الخالدي
يجتهد بعض النواب مشكورين في أداء دورهم التشريعي والعمل على سن قوانين جديدة تهدف إلى تنظيم الحياة في الكويت وحماية الأموال العامة والخاصة للناس، ولكن ما فائدة كل هذه القوانين إذا لم تطبق؟ ما فائدة تجريم الفرعيات وشراء الأصوات مادامت لم تطبق على أي شخص برغم ممارسة هذه الأفعال علنا؟ وما فائدة كل تلك التشريعات التي تهدف إلى حماية المال العام من السرقة وصحافتنا تطالعنا كل يوم بعشرات الصفقات المشبوهة والتعديات الصارخة على هذا المال دون أن يقابل كل هذه الجرائم تطبيق القانون على مجرم واحد بل ودون أن يوجه الاتهام إلى أحد حتى الآن؟ ما فائدة القانون إذن مادام أنه لا يطبق؟
ما يمنع الإنسان من ارتكاب سلوك خاطئ (سواء الجرائم أو الأفعال غير الأخلاقية) إما الخوف من الله عز وجل، أو الخوف من تطبيق العقوبة القانونية، وإما الخوف من عمليات الردع الاجتماعية كالنبذ والإقصاء والازدراء الاجتماعي، أو الخوف من تأنيب الضمير. والمجرم بطبيعة الحال لا يفكر في مراقبة الله عز وجل وإلا لما أقدم على جريمته، وهناك دراسات علمية تشير إلى أن 70% من البشر لديهم نزعة ورغبة لارتكاب أي نوع من أنواع الجرائم ولكن الخوف من القانون يمنع 80% منهم تقريبا. فإذا تأملنا في حالنا هنا في الكويت فماذا نجد، نجد أن الخوف من تطبيق القانون يحتل المرتبة الأخيرة من بين عوامل الردع المذكورة، كما نجد أن عمليات الضبط الاجتماعي لم تعد فاعلة في ظل هذه الأوضاع المقلوبة، فالمجرم أصبح يحتل مراكز اجتماعية مرموقة ومكانة عالية والناس تلتف حوله وتفرش له طريقه بالورود والخدود أحيانا، كما أن التنشئة الاجتماعية بدأت تفقد قيمتها في ظل هذا الضعف المتزايد للنزعة الدينية بسبب رجال الدين قبل غيرهم، وكذلك الانحدار المستمر في النظام التربوي وتراجع دور المدرسة إلى درجة الانهيار ما يعني تراجع القيم الأخلاقية والضمير. فما الذي بقي إذن ليردع الناس عن ارتكاب الجريمة والتعدي على ممتلكات الآخرين؟
كنت أتحدث مع بعض الأصدقاء عن بعض السرقات في قطاع النفط، وفجأة قال أحد الشباب إنه لو تهيأت له الفرصة فسوف «يضرب ضربة العمر» ويسرق كما يسرق غيره، ومن منا لم يسمع بمثل هذا القول الخطير كل يوم، وهي نتيجة طبيعية لغياب تطبيق القانون مادام لم يقدم أحد للمحاكمة ويحبس برغم كثرة السرقات من المال العام وبصورة مكشوفة للجميع. لقد جعل الله عز وجل عقوبة السارق بأن تقطع يده وهي عقوبة مغلظة وشديدة تثير الرعب والهلع لمجرد التفكير فيها، وما ذلك إلا لعظم هذا الفعل المشين حتى لا تستباح أموال الناس وممتلكاتهم، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه من تراخٍ في تطبيق القوانين فسيجد الشريف نفسه مدفوعا رغما عنه للسرقة حتى لا يصبح شاذا ومنبوذا وغير قادر على أن يعيش بين مجموعة من اللصوص. لا نريد المزيد من القوانين والتشريعات يا نواب الأمة بل نريد تطبيق ما هو موجود فعلا، فقانون العقوبات الحالي كفيل بسجن نصف أفراد المجتمع لو طبق فعلا.