يقول جلال الدين الرومي، رحمه الله، في رائعته «أنين الناي» وعلى لسان الناي نفسه:
«منذ اقتطعت من الغاب، الرجال والنساء لأنيني يبكون
فكل من قطع عن أصله، يحن لوصله
وهكذا غدوت مطربا في كل المحافل
أشدو للسعداء، ولليائسين
وكل يظن أنني رفيق له
ولكن من منهم يعرف حقا ما أنا فيه،
من منهم يدرك سر هذا الأنين؟!»
٭ ٭ ٭
يقول الشراح، إن جلال الدين الرومي، رحمه الله، يرمز للناي بالأنبياء والقرآن، فكل يدعي أنه يفهمهم ويعرف مقصودهم بالتحديد، ومثلما يسمع الحزين صوت الحزن في الناي، ويجد السعيد الفرح بذات الصوت من الناي، كذلك يعتقد من يدعي فهم القرآن والحديث بحسب هواه ومزاجه، فمن لديه نزعة شر، سيفهم القرآن كدعوة للقتال وذبح الناس، ومن يتصف بالرحمة وحب الخير، سيجد في القرآن الرحمة كلها والسلام كله. لكن من يملك أن يسبر غور هذا البحر العميق، ويدرك حقا كلام الله عز وجل؟!
يختم جلال الدين الرومي قصيدته:
أما الآن، ليرفع القلم، ويطوى الكتاب
فهذا البحر، لا يلجه إلا أهله
والسلام..
٭ ٭ ٭
العالم اتخذ شكلا جديدا ومختلفا تماما عن شكله السابق بعد الحرب العالمية الثانية، بتأسيس الأمم المتحدة (عصبة الأمم) عام 1945م، أصبحت الدول محددة بحدود وأعلام ودساتير ونظم، وأصبحت الحقوق والواجبات مرتبطة بمفهوم المواطنة، والمواطنة ارتبطت بالجنسية..الخ.
بينما في العالم العربي سادت ثلاثة تيارات، تيار قومي عروبي، وتيار إسلاموي، وتيار يساري أممي. المصيبة أنها جميعها مشاريع تنظيرية وغير واقعية، تريد إلغاء الجغرافيا ولا تعترف بالدولة ولا بالمواطنة، القومي يريد إلغاء الحدود عن «الوطن العربي»، هكذا بجرة قلم. والاسلاموي يحلم بدولة خلافة كبرى تلغي الآخر وتجمع الكرة الأرضية كلها في قبضة الخليفة وعماله في أرجاء المعمورة، ولا تسأل كيف وهم عاجزون عن صنع حنطور! أما اليساري فهو مشروع ببغاء ناطق، يجتر خطابات ماركس ولينين وستالين وماو تسي تونغ عن الأممية العالمية التي يتداخل فيها الجميع من أدغال كوبا إلى صحاري أوردوس إلى الناصرية إلى واشنطن إلى برلين إلى القاهرة وكله على بعضه.. ليصبح العالم بالنهاية ليس فيه سوى «المواطن العالمي»، (ويزعلون لو قلت ما هذه السذاجة؟!)، ولذلك لا غرابة أن الإنسان الفرد في عالمنا العربي مطحون ولا قيمة له كإنسان بذاته، قيمته أنه «مواطن» يرفع صورة الزعيم القائد ليس أكثر، لكن هذه «المواطنة» لا تمنحه أي حقوق مثل بقية الناس، ولهذا نتحدث عن «البشر» الذين يقتلون في بلداننا كل يوم كأعداد. هكذا، قتل خمسون بسيارة مفخخة ومات تسعون ببراميل متفجرة وذبح ألف في مظاهرة سلمية.. مجرد أرقام بالمئات والألوف في شريط الأخبار، لكن من هم، ما أسماؤهم، ولماذا قتلوا، وما مصير أسرهم ومن يحاسب قاتليهم؟؟ لن تجد إجابات بالتأكيد، لأن الإنسان الفرد في بلداننا بلا قيمة، ومن سيبالي في شرح أي شيء لكائن بلا قيمة؟!
٭ ٭ ٭
وحدهم المسلمون الذين يتقاتلون بسبب اختلاف العقيدة والأفكار، في العالم اليوم ملايين المعتقدات الايديولوجية والأديان، كلهم يتحاورن إلا نحن.. متى ينتهي هذا؟!
٭ ٭ ٭
كتب الفيلسوف الألماني فريدريش نيتشه: لك طريقك، ولي طريقي، أما «الطريق الصحيح» فهو غير موجود.
[email protected]