لعشرات السنين حذّر الكثير من المثقفين من خطورة تدهور الأوضاع في منطقتنا نتيجة شيوع الظلم الاجتماعي والفساد المالي والإداري في معظم الأنظمة، ولعشرات السنين حذّر كثير من المنصفين من خطورة الخطاب الطائفي والتكفير المتبادل بين السنّة والشيعة، ولعشرات السنين حذّر العقلاء من خطورة المشروع التوسعي الايراني الذي ينوي ابتلاع دولنا وتدميرها والسيطرة عليها، ولعشرات السنين حذّر الخبراء وأهل الحكمة من خطورة اعتماد دولنا على مصدر وحيد للدخل ونادوا بضرورة تنويع مصادر الثروة وعدم الاعتماد على النفط كونه سلعة معرضة للنضوب واضطراب الأسعار والتخلي عنه في أي لحظة من لحظات التقدم التكنولوجي الهائل الذي يمكن أن يعلن في أي وقت عن إيجاد بديل أو بدائل كثيرة تغني العالم عن مصدر رزقنا الوحيد.. لعشرات السنين تم التحذير من كل ما نعاني منه اليوم في عالمنا البائس.
لذلك، كل ما يجري في منطقتنا اليوم لا يمكن أن يفاجئ إلا الحمقى والجهلة والمغفلين وتجار الدين والفاسدين!
****
نحن متشددون ولا نعرف المرونة والحلول الوسط، ولا نعترف إلا بالانتصار الساحق الماحق الذي يلغي الخصم تماما، أو الموت.
لا يشبهنا في التشدد وتصلب المواقف سوى الصهاينة، لذلك صراعنا معهم أبدي، لن ينتهي إلا بقتل آخر عربي أو آخر صهيوني!
****
أميركـا خسـرت أكثــر من 6 تريليونات دولار في حربها في أفغانستان والعراق دون تحقيق أي مكاسب، لذلك من المعقول جدا بل ومن الحكمة أن يتجاهل الرئيس أوباما الشرق الأوسط بكل تناقضاته ومشاكله غير القابلة للحل، ويركز على وضع بلاده الاقتصادي ويعمل على إصلاحه وعلى حل مشاكلهم الداخلية، فهذا الشرق الأوسط متخلف وعنيد لا يقبل الحلول الوسط ولا يبدي أي استعداد للانتظام في العالم الجديد، فعالمنا بالنسبة لهم عالم متوحش لا يعرف طريقة لحل الخلافات إلا بالقتل وإقصاء الآخر، عالم متخلف لا ينتمي لعالمهم الحر والمتحضر.. ترى، هل يحق لنا أن نغضب من نظرتهم لنا بهذه الطريقة؟!
****
كتب المفكر الفرنسي «المضطهد» باسكال بونيفاس كتابا مهما بعنوان «المثقفون المزيفون: النصر الإعلامي لخبراء الكذب» بهدف فضح أساليب «تجار الفكر» ممن يستحوذون على الخطاب الإعلامي ويزورون الحقائق ويخدعون الرأي العام.
باسكال بونيفاس مفكر حر كرّس حياته للدفاع عن المظلومين وفضح أكاذيب ذوي «الخطاب الأحادي» الذي يتجنى على المسلمين والعرب وغيرهم من الأقليات في فرنسا خاصة وأوروبا عموما، رفضت 14 دار نشر طباعة وتوزيع كتابه وتعاملوا معه كما تعاملوا مع الفيلسوف روجيه غارودي من قبله بعد إعلان إسلامه، حيث تم تجاهله ومنع تداول كتبه وبيعها.
انتقده بعض أصدقائه على اعتبار أنه قدم «دعاية مجانية» لهؤلاء المزيفين الأفاقين من أمثال هنري ليفي وجماعته، فقام بتأليف كتاب آخر بعنوان «المثقفون المثقفون»، بمعنى المثقفين الحقيقيين.
قرأت الكتاب الأول وأنصح بقراءته لأنه يساعد على تطهير العقول من شوائب التضليل المتعمد الذي تشربناه ولانزال في عالمنا المريض.
أما الكتاب الثاني فهو لايزال باللغة الفرنسية ولم تتم ترجمته للعربية بعد مع الأسف.
[email protected]