«من المؤسف أن تقف دولة عربية ضد خروج العراق من الفصل السابع»، بهذه البساطة صور وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري موقف الكويت من العراق، وبهذا التشويه يتحدث معظم المسؤولين العراقيين في كل مكان وبكل وسيلة إعلامية ممكنة حول مواقف الكويت من العراق، فهم لا يتوقفون عن تصوير الكويت أمام الرأي العام العالمي والعربي وكأنها الجاني والسبب في كل ما أصاب العراق. وعلى الرغم من أن النظام العراقي السابق كان معروفا بالكذب والخداع والتضليل وقلب الحقائق، إلا أن علينا أن نعترف بأنه قد نجح في كسب تأييد كثير من أبناء الشارع العربي حتى أصبح كثير منهم يردد بكل سذاجة تلك الأكاذيب على أنها حقائق، وبات الجميع تقريبا ينتقد الكويت ويتهمها ـ مع جوقة النظام العراقي السابق ـ بأنها سبب تجويع أطفال العراق.
ولم يكن ذلك عبقرية من ذلك النظام الدموي البائد بقدر ما كان تخاذلا وضعفا من إعلامنا الرسمي وغير الرسمي، فقد كان الصمت سمة إعلامنا الرسمي، في حين اكتفى معظم مثقفينا وكتابنا بوصف الشارع العربي بأنهم «حفنة من الغوغائيين» الذين تحركهم العاطفة، كما وصفوا من يصنع ويروج لتلك الصورة المشوهة والادعاءات الباطلة ضد الكويت بأنهم «مرتزقة» يقتاتون على رشاوى النظام العراقي البائد، والنتيجة أن كثيرا من أبناء الشارع العربي ـ أيا كانت صفاتهم ـ لايزالون حتى اليوم يكرهون الكويت وشعبها وحكومتها لأنهم حتى اليوم يعتقدون بأننا نحن الذين جوعنا أطفال العراق ونحن الذين أدخلنا الأميركان لتحتل العراق ونحن الذين نقف ضد تحرره وخروجه من الفصل السابع، بالرغم من أن الكويت ربما تكون من أكثر الدول العربية التي قدمت ـ ولاتزال ـ مساعدات إنسانية وتنموية للعراق وشعبه، بل إننا كلما قدمنا أكثر تعرضنا للنقد والتجريح أكثر. مشكلتنا في الكويت اننا أصبحنا متقوقعين على ذاتنا، لا نهتم ولا نعي ما يدور حولنا، غرقنا في مشكلات داخلية معظمها تافهة، فإن كانت سمعة الكويت وصورتها في الخارج غير مهمتين عند الحكومة والمجلس والمثقفين فهذا أمر آخر، أما إذا كنا نريد الخير لبلدنا والأمان لشعبنا فعلينا أن نعيد النظر وننتبه لما يجري ويحاك من حولنا وضدنا. ومن غير الحكمة على الإطلاق أن نستمر في تقوقعنا على ذاتنا ونتجاهل خطورة تشكيل الرأي العام ضدنا، مع أننا نملك كل الحقائق وبإمكاننا توضيح الصورة كاملة للعالم أجمع عن حقيقة موقفنا تجاه العراق وحقيقة موقف العراق تجاهنا. بإمكاننا أن نوضح للشارعين العربي والعالمي أن الاحتلال الأميركي للعراق جاء بمباركة وتأييد ودعم وتسهيلات من المعارضة العراقية التي كانت في الخارج في الأساس والتي حصدت بعد ذلك «ثمرة» جهودها بأن تسلموا زمام السلطة ثم أصبحوا يلقون بتهمة الاحتلال وتدمير العراق على «الحلقة الأضعف» وهي الكويت ويخرجون هم بصورة الأبطال المناضلين بإمكاننا أن نكشف للعالم من الذي سرق خيرات العراق منذ الاحتلال الأميركي وحتى اليوم من أولئك «المناضلين الأشاوس» الذين ينعمون اليوم بتلك المليارات المسروقة في ربوع سويسرا وباريس ولندن، بإمكاننا أن نتحدث بالأرقام عن الخسائر الفادحة التي تكبدتها الكويت من ثرواتها ودماء أبنائها بسبب العراق وأطماعه التي لا تنتهي ضد الكويت منذ عبدالكريم قاسم حتى اليوم، بإمكاننا أن نبين للعالم بكل وضوح من هو المجرم ومن هو الضحية وندافع عن بلدنا وسمعته في الخارج، ولكننا نفضل أن نغرق في تفاصيل «مياه المجاري الطافحة» و«تلاسن» بعض النواب والحكومة وماذا قال النائب الفلاني للوزير العلاني وبماذا رد فلان على علان، وكيف اكتشف النائب «س» تلاعب الوزير «ص» بالأموال العامة.. وغيرها من «التفاهات» التي تحتل عناوين صحفنا اليومية منذ أشهر.
يروي لي أحد الأصدقاء الصحافيين العاملين في وكالة الأنباء الكويتية «كونا» ممن حضروا العديد من مشاهد توزيع الطعام والماء والخيام وغيرها من المساعدات التي رصدتها الحكومة الكويتية لمساعدة اخواننا في الزبير والبصرة للتخفيف من معاناتهم وكيف كان كثير من الإخوة العراقيين يأخذون المساعدات ثم يسبون الكويت وحكومتها ويلعنون شعبها ويتهموننا بأننا سبب كل ما حل بهم من بلاء، فإن كان الحال كذلك من «الجوعى» وهم يستفيدون من مساعدات الكويت، فكيف هو حال «الإخوة» في اليمن وليبيا وتونس والمغرب والأردن وغيرها ممن يتابعون وسائل الاعلام ولا يسمعون سوى صوت واحد هو صوت اتهام الكويت بالخيانة «والتواطؤ مع الأجنبي»؟!
[email protected]