المتابع للعلاقات الدولية بين دول العالم لا يجدها تخرج عن إحدى ثلاث، إما مصلحة أو مجاملة أو كسب موقف، مع العلم أن جميع الأمم والأديان والثقافات تنادي بما يسمى تحالف الحضارات والتعايش السلمي والحوار الحضاري، وقد نظر كثير من المفكرين في ذلك، وأقر العالم بأسره أن الوصول إلى التعاون والتعايش السلمي لا يكون إلا وفق حوار هادف ونقاش فعال يحترم الآراء الأخرى ويستفيد منها ويقدم بعض التضحيات لتحقيق الأهداف المطلوبة.
لقد صرفت الأموال والجهود الكبيرة على إقامة المؤتمرات والمنتديات والأبحاث في تأصيل الحوار، إلا أن الحوار لم يخرج من أبواب القاعات بعد انتهاء المؤتمرات، كما يوجد في بلادنا العربية عدد كبير من المؤسسات الرسمية والأهلية المهتمة بالحوار وتحالف الحضارات وحوار الأديان، أعدت البحوث والدراسات والخطط لترسيخ مبدأ التعاون في المشترك على الأقل، إلا أننا مازلنا نشكو الفرقة والتعنت بالرأي ورفض الآخر، حتى في اجتماعاتنا نرى البعض قد أعد رأيه مسبقا ويصر على الالتزام به.
إن هذه القاعدة الشاذة أرخت سدولها علينا، ليس على المستوى السياسي، بل حتى الاجتماعي، لا يعرف الكثير منا معنى الحوار ولا أسسه ومتطلباته وشروطه، فالكل يرى في أسرته ومع أصدقائه، حتى مع زوجته أثر حب الذات «المصلحة» أو كسب موقف «السيادة» أو أضعف الإيمان «المجاملة» أهدافا يريد أن يحققها.
في البلاد المتقدمة يهتم التعليم ببناء جيل متمرس في الحوار، ينشأ على أحدث الطرق التي تساعده في إبداء رأيه والدفاع عنه وفق أسس علمية للحوار، وذلك في بداية مسيرته التعليمية، فتجده في الروضة يتعلم الإنصات والاعتذار والمداخلة والتضحية وانتقاء الأفكار والألفاظ بما يساهم في حصوله على مبتغاه، أما في مجتمعاتنا العربية فالطفل يستنجد بأمه ضد أبيه والعكس، ويركز على أدواته الحسية مثل البكاء والصراخ وكسر الخواطر حتى يحصل على ما يريد «وهذا العاقل منهم».
لذا يلزمنا لإصلاح القمة بناء الأساس وفق أساليب متطورة وحضارية تساهم في إعادة بناء صرح مجتمعنا وأمتنا، وهذا يلزم إعداد الخطط وسن التشريعات والمتابعة الفعالة، بعيدا عن الترويج والدعاية والإعلان.
إننا نملك من الإمكانيات المادية ما يملكه الآخر سواء في الدول الصناعية أو المتقدمة، وإن رأس المال الحقيقي للأمم والشعوب هو أبناؤها، فالاهتمام بالبشر خير من الاهتمام بالحديد والحجر، وما نجحت بعض الدول مثل سنغافورة وماليزيا واليابان، إلا بإعداد الكوادر المتميزة والفاعلة، وهذا أصل في موروثنا الإسلامي بما قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته حيث ركز على الرعيل الأول في بناء دولة الإسلام وجعل منهم رجال دين ودولة، علماء وحكماء، أشداء ورحماء، عبادا وعاملين، أذكياء وعباقرة.
قال الله تعالى (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا.. الفتح: 29).
[email protected]