تطل علينا بعد منتصف كل ليلة تلك الشاحنة ذات اللون البرتقالي، حيث نعلم بوجودها من صوت محركها القوي وسقوط حاويات النفايات بعد تفريغها فيها.. فهي الزائر الخفيف الثقيل الذي لا نستغني عنه.
تذكرني هذه الشاحنة بقصة طريفة وراءها معنى عظيم يؤكد على قيمة سامية وخلق عال دعا إليه الإسلام وكل أخلاقيات الإنسانية.. يقول راوي القصة: ذات يوم كنت متوجها الى المطار في سيارة أجرة، وبينما كنا نسير في الطريق حيث كان السائق ملتزما بمساره الصحيح انطلقت سيارة بشكل مفاجئ أمامنا من موقف سيارات بجانب الطريق، وبسرعة ضغط سائق الأجرة بقوة على الفرامل وكاد أن يصدم تلك السيارة.. الغريب في الموقف أن سائق السيارة الأخرى أدار رأسه نحونا وانطلق بالصراخ والشتائم تجاهنا، فما كان من سائق الأجرة إلا أن كظم غيظه ولوح له بالاعتذار والابتسامة.. استغربت من فعله وسألته: لماذا تعتذر منه وهو المخطئ؟ وقد كاد أن يتسبب لنا في حادث تصادم، هنا لقنني السائق درسا عظيما فقال: كثير من الناس مثل شاحنة النفايات (يحمل المشاكل بأنواعها يحيطها الغضب والإحباط وخيبة الأمل) وعندما تتراكم هذه النفايات في نفس أحدهم يقوم بإفراغها في أي مكان قريب ولأي سبب كان.. فلا تجعل نفسك مكبا للنفايات.
العقل قائد.. والقلب رحيم، ونفوس الناس لا يروضها إلا عقل ذكي وقلب حنون، فالابتسامة وسعة الصدر والقول بالتي هي أحسن تجعل ممن يريد أن يلقي كل ما لديه من سوء على الآخرين شخصا عاقلا مستدركا محتسبا لا تأخذه العزة بالإثم فيلقي نفاياته على غيره.
إن الأشخاص الناجحين لا يدعون شاحنات النفايات تستهلك يومهم، فالحياة أقصر من أن نضيعها في الشعور بالأسف على أفعال ارتكبناها في لحظة غضب، لذلك اشكر من يعاملونك بلطف وادع لمن يسيئون إليك وتذكر دائما أن حياتك محكومة بـ 10% بما تفعله و90% بكيفية تقبلك لما يجري حولك.
شكرا لشاحنة النفايات التي نراها كل ليلة، وها هي تعلمنا كيف نتخلص من نفايات القلوب والألسن ونرميها بعيدا عن أعين الناس ومسامعهم.