على ما يبدو أن هذه الأرض الطيبة لديها حظ وافر يتجسد في «الديبلوماسية»، تلك القوى الناعمة التي صنعت انتصارا في حرب خضناها قديما وجعلت العالم بأسره يتــــضامن مع الكويت ويقف إلى جــــوارها، وكلما مضى الوقت زاد رصـــيد الديبلوماسية الكويتية من النـــجاحات الكـــبيرة، وأجزم بأن كل هذا لم يكن ليحـــدث لولا وجود الرجال المخلصين ذوي العقليات المستنيرة التي تجيد قراءة المعطيات وتفند الأمور لتصيب كبد الحقيقة، وتتعامل بذكاء حتى تحقق أهدافها.
الإشادة بأداء وزارة الخارجية وعلى رأسها الشيخ سالم العبدالله واجبة ولا تأتي من باب الثناء المطلق بل هناك أسباب تفرض على كل كويتي مخلص لهذا الوطن أن يرفع القبعة لتلك الوزارة بعد ما حققته من تحرك إيجابي لصالح الكويت فيما يتصل بملف «حقل الدرة» الذي بات محلا للنزاع بين الكويت والسعودية، وهما صاحبتا الحق، من جهة، وإيران من جهة أخرى.
وهنا دعوني أحدثكم عما ذكرته في مقال لي نشر بعنوان «حقل الدرة ورقة سياسية!» تطرقت فيه إلى ما بادرت إليه طهران من قرارات تضمن من خلالها فرض سيطرتها على «الدرة» على الرغم من عدم أحقيتها في ذلك، وهذا وفقا لقانون البحار، واستنتجت من الخطوات المتسارعة من جانب طهران أنها تسعى إلى صنع «ورقة سياسية» تريد منها تحقيق غاية أخرى بعيدة كل البعد عن أمر الحقل.
مرت الأيــام وظهرت البيانات من جانب الطرفين، ولكن فجأة تحول المسار وظهر حسين أمير عبداللهيان وزير الخارجية الإيراني بالمملكة العربية السعودية بجوار نظيره الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، وهو يتحدث عن خطوات مستقبلية في أشكال التعاون بين البلدين، وخلال تلك الزيارة التي جاءت بعد جفاء امتد لأكثر من 6 أعوام اجتمع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي عهد السعودية ورئيس مجلس الوزراء مع الوزير الإيراني.
ومن يراقب تحركات طهران في المنطقة العربية فسيكتشف أنها تحاول إصلاح علاقتها مع العديد من الدول بالمنطقة بدءا بالمملكة العربية السعودية والكويت والإمارات ومصر، ولا أستبعد أن يكون هناك خط ونهج رسمته روسيا لصديقتها إيران، وما يدفعني إلى تصديق ذلك أن المصالحة التي تمت بين السعودية وطهران كانت بوساطة من الصين الحليفة الكبرى لروسيا.
وسأعود ثانية إلى وزارة الخارجية الكويتية، وسأذكر لماذا نجحت في التعامل مع ملف أزمة «حقل الدرة»، في البداية كان هناك نجاح رائع في قراءة ما بين السطور، وبالرغم من تأجج الموقف فإن الديبلوماسية الكويتية التزمت بضبط النفس ولم يصدر من جانبها أي تحركات تحسب عليها، وأدرك أن الديبلوماسية كانت تعي الهدف من وراء إثارة أزمة «الدرة» وتفهم أن طهران تحاول بطريقة ذات دهاء شديد استعادة علاقتها مع الكويت والسعودية، والدليل على هذا هو ما ورد بالبيان الصادر عن وزارة الخارجية التي علقت من خلاله على زيارة عبداللهيان للسعودية، وأثنت ورحبت بعودة العلاقات بين البلدين.
موقف وزارة الخارجية اتسم بالرصانة والحكمة في التعامل مع مجريات الأحداث، ونجح في أن يضيف إلى تاريخ تلك الوزارة سطورا جديدة تروي نجاحاتها في خوض معارك ضارية دون سلاح مستعينة فقط بعقول تملك من البصيرة ما يمكنها من فهم ما يدور من حولها، ويوصلها إلى بواطن الأمور.
أتمنى حقا أن تنتهي سلسلة النزاعات بالمنطقة وان تكون البلدان العربية على قلب رجل واحد، وان تطوى صفحات الماضي، وتبدأ مرحلة جديدة من التعاون الدولي الذي يعود بالنفع على المنطقة العربية وشعوبها.
[email protected]