هذا صوت مختلف عما نسمعه منذ قيام ثورة «اللوتس» في ميدان التحرير المصري!
صوت يقول كلاما آخر.. ووجهة نظر مختلفة، عما يطرحه المؤيدون والمعارضون والمستقلون ولجان الحكماء، صوت يمكن ان أسميه صوت العقل، وهو يخالف بالطبع المقولات التي ترسخت عبر الأزمنة والعصور المختلفة، بأن ما يجري في بلد ما هو شأن داخلي، ذلك ان ما يجري الآن في مصر لم يعد كذلك أبدا، ولذا فلن يهدأ لنا بال، ولن تكف أقلامنا وعقولنا عن البحث في الأزمة وما وراءها، وحتى البحث عن حلول لها، الا بعد ان تستقر مصر العزيزة.. وترتاح وتقر العين!
هذا الصوت جاء واضحا وبلا مواربة، صوت عاقل خارج من قلب مصر تغلفه الخبرة السياسية الدولية ويميزه الوعي بمكانة الأمة المصرية في قلب الأسرة الدولية.
انه صوت الأمين العام السابق للأمم المتحدة د.بطرس بطرس غالي، الذي تحدث لبرنامج «العاشرة مساء» (لمقدمته منى الشاذلي)، وقال ما خلاصته ان مصر ينبغي لها ان تستعين على أزمتها الحالية بالأسرة الدولية لكي تخرج منها، مؤكدا ان هذا لا يعد تدخلا في شؤونها الداخلية وإلا فلماذا مصر عضو فاعل في الأسرة الدولية وهي عضو في الأمم المتحدة والجامعة العربية وكل المؤسسات الدولية.
صوت غالي المتفرد مازال يتردد في ذهني وأنا أكتب سطوري تلك، وقد أكد اننا نعيش اليوم عصر العولمة، وان مصر جزء من هذه العولمة، وكل يوم يمر عليها يأخذ من رصيد سمعتها الدولية، بأنها لم تعد دولة وشدد على ان هذا أمر ستدفع ثمنه مستقبلا، وستهرب منها الاستثمارات والسياحة قلب الاقتصاد المصري وكل هذا لماذا؟ لأننا (أي مصر) انكفأنا على أنفسنا فقط في نقاشنا وحوارنا حول مستقبل مصر، معتبرا ان لغة الحوار أصبحت لغة أطراف لا تريد ان تسمع الا صوتها هي، ومن ثم فيجب ان تتدخل جهات خارجية.. لتساعد على تقريب وجهات النظر، وتواصل الحوار، حتى يمكن الوصول الى بر الأمان.
ومضى غالي يقول: علينا ان نستفيد من عضويتنا في هذه المنظمات عندما تتعقد الأمور ونصل الى طرق مسدودة ولا ضير في الاستعانة بالآخرين.
رأي واع ومختلف للدكتور غالي، أقدّره.. وأتفق معه فيه وكنت أتطلع اليه وأنتظره، ففيه نافذة أمل حقيقية بإمكانها ان تساعد مصر العزيزة على الخروج من هذه «الأزمة» خصوصا ان مصر تتعامل مع المؤسسات الاقتصادية الاقليمية كالصناديق العربية ومع الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي ومع الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وغيرها من دول ومؤسسات شريكة في التنمية مع مصر.
هذا فضلا عن ان نحو 8 ملايين مصري يعملون في وظائف ومهن مختلفة حول العالم، وهؤلاء يدعمون اقتصاد مصر بتحويلاتهم الخارجية، ما يعني ويؤكد ان أزمة مصر ليست شأنا داخليا.
مصر ليست مجرد دولة من دول العالم، لكنها قلب الشرق الأوسط كله، وأكبر دولة عربية سكانا وأعرقها تاريخا وحضارة وبها أحد أعظم ممرات الملاحة في العالم وهو قناة السويس.
هناك مبادرات دولية أطلقت لمعالجة أزمات استعصت في دول معينة، وأورد د.غالي الكثير منها، مثل معالجة الوضع في لبنان والسودان والسلفادور، كلها مبادرات ساهمت في حل المعضلات التي واجهتها هذه الدول ولم تكن تدخلا في الشأن الداخلي لهذه الدول، ومصر لابد ان تفعل ذلك ولا يجوز ان نترك مصر وحدها الآن، لابد من ان يتدخل كل الأصدقاء للمساعدة في حل هذه الأزمة المستعصية.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: كيف؟ ومن الذي يتدخل؟
وللحديث بقية..
..والعبرة لمن يتعظ!
[email protected]