كنا قبل ان تقع الأحداث الأخيرة في تونس ومصر، نولي كل اهتمامنا لقضايانا الداخلية الملتهبة، وصراعاتنا السياسية، وتناحرنا فيما بيننا، على الرغم من ان ما حدث في هذين البلدين الشقيقين كان سببه احتجاجات مطلبية كالحرية والعدالة الاجتماعية، وهو ما لا نعاني منه عندنا، فلدينا كل شيء وهم يحتاجون الكثير، لكننا مع هذا نتناحر ونتصارع بكل حدة وسخونة، وهو أمر يستحق ان نتوقف عنده يوما ما، أما ما أريد ان أتحدث عنه الآن فهو تلك المفردة الجميلة التي تحيط بنا ونرفل في ثيابها هذه اللحظات وهي مفردة «الحب» وعيده السنوي الذي تحيط بنا مظاهره الجميلة هذه الأيام، وأتوقف عند هذه المناسبة، رغم ان كثيرين ينظرون لكل شيء نظرة رمادية أو سوداوية ويرون ان في الاحتفال بمثل هذه المناسبة بدعة، ولا أدري لماذا لم ينظروا الى المحبة هبة الخالق وان الله – كما يقول الشاعر – محبة.. والخير محبة!
أكتب اليوم عن الحب، تلك الطاقة الهائلة التي يحتاجها كل منا، لكن ما أقصده ليس الحب بمفهومه الذي يتبادر الى أذهان الناس فورا، وانما الحب الذي أقصده هو حب له علاقة بمجريات الأحداث والظروف المحيطة بنا.
انه حب الأوطان، ويقول الشاعر: حب الوطن فرض عليا.. أفديه بروحي وعنيا، انه حب يفوق الحب الذي نراه بين المحبين، وحتى بين الأم وطفلها، فالوطن هو الأمان، وهو الذي يجعلك محبا لكل البشر، ومقبلا على الحياة ومتجددا وشاعرا بإنسانيتك وطامحا الى مستقبل واعد، هو الذي يجعلك تشعر بالطعم الحقيقي للحياة.
ولكي تدرك قيمة الوطن يكفي ان تطل عليه من خلال شعور بعضنا بالغربة في أوطانهم لبعض الوقت، والغربة عن الوطن شعور قاس جدا، شعر بها العرب قديما وهم مستعمرون، وقبل ان ينالوا استقلالهم وبعضهم يعيش الإحساس بالاغتراب حتى داخل الوطن، ببساطة لأنهم مضطهدون أو مقموعون ذاتيا وإنسانيا، ومع هذا فإن هؤلاء في أعماقهم يحبون وطنهم حبا جما، ولا يكرهون سوى من اضطهدهم وأشعرهم بالغربة داخل وطنهم، ومن أدخل بلدهم في دوامة الحروب الهوجاء التي جعلتهم يدفعون ثمن هذه المغامرات فادحا.
ولأن الشعر هو «ديوان العرب» فإن قرائح الشعراء جادت بالكثير في معنى الحب، قال الشعراء الكثير في الحب العذري وقالوا أكثر في حب الوطن.. وفي الكويت، ولأن مرارة ذكرى الغزو العراقي الغاشم لاتزال في القلوب، فإن التعبير عنه لا يزال طاغيا ولعلكم تذكرون مقطعا من أغنية عبدالكريم عبدالقادر يقول: «وياك عبرت الزمن الله شكثر يا كويت .. قلبي خفق يا كويت شلتك بيوفي وطن».
أما مصر، فإن شاعر النيل أبدع في التعبير عن حبه لها.. فقال: «مصر التي في خاطري وفي فمي.. أحبها من كل روحي ودمي»، وهذا المعنى لايزال خالدا على لسان أم كلثوم.
وقبل شهرين من قيام ثورة الشباب في 25 يناير، استلهم شاعر معاصر معاني مماثلة غناها محمد منير بعنوان «إزاي» قال فيها: «إزاي أخلصت فـ حبك لكن.. سايباني فـ حزني الداكن.. مطرح ما تكوني أنا ساكن.. فيك وحبك رايح جاي - ازاي».
وعن لبنان شدت فيروز قائلة: «أحبك يا لبنان يا بلدي الغالي.. بشمالك بجنوبك.. بسهولك وبقاعك.. بترابك وبحرك.. بجبالك وهضابك».
وسأختم هنا بأغنية رائعة للوطن الأكبر وكانت تذاع دائما في مصر العزيزة عندما غدر بنا صدام وغزا الكويت الحبيبة، وهذه الأغنية تجسيد للحلم العربي الذي كان والذي اعتقد انه - رغم غدر بعض الرؤساء العرب بنا – مازال ينبض داخلنا، وهو شعورنا الذي مازلنا نحس به اليوم تجاه اخواننا العرب.
تقول القصيدة الرائعة التي غناها مجموعة من أعلام الغناء وهي «وطني حبيبي»:
حلو يا مجد يا مالي قلوبنا.. حلوة يا وحدة يا جامعة شعوبنا
يا نغم ساري بين المحيطين.. في اليمن ودمشق وجدة
حلو يا نصر يا كاسي رايتنا.. حلو يا أحلى نغم في حياتنا
بين مراكش والبحرين.. نفس الغنوة لأجمل وحدة
وحدة كل الشعب العربي.. وطني حبيبي
والعبرة لمن يتعظ!
[email protected]