«نموت نموت وتحيا الكويت»، من منا لا يتذكر هذه الجملة التي جرت على لسان رجل ورمز افتقدناه كثيرا، ومازلنا نفتقده بشدة؟ من منا لا يتذكر كلماته ومقولته الحاسمة: «لن نتنازل عن شبر واحد من الكويت»؟! جميعنا نتذكر هذا الرجل الرمز وتلك اللحظة الفارقة التي دعا فيها كل أبناء الكويت على مختلف انتماءاتهم الفكرية والسياسية الى اجتماع الطائف، والذي تجددت فيه البيعة لآل الصباح، وعقد شعبنا العزم على العودة الى الديار، من منا لا يذكر لحظة سجوده على أرض الوطن شكرا لله، بعدما وطئت قدماه للمرة الأولى أرض الوطن المحرر بعد اغتصاب؟ من منا لا يذكر حبيب الشعب الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح ـ أمير الكويت الوالد الذي مرت يوم 13 مايو ذكرى رحيله الثالثة؟!
لقد قرأت كل ما كتب عنه في الصحف اليومية وشاهدت بعض تقارير أذاعتها القنوات الفضائية عن مسيرته العطرة وعدت بخيالي وذكرياتي معه وذهبت بعيدا بل الى أبعد مدى، حتى انني تمثلته أمامي بعد طول غياب، وطول افتقاد، لحظة كانت غريبة في حياتي عندما تهللت أساريري لرؤيته مجددا، وكأنني أحاوره، حكاية أعرف انها تشبه الحلم، وقصة أعرف انها ستبدو كما لو كانت من قصص الأفلام، ربما شكل شعوري بأن الرجل الرمز حي، هذه اللحظة في حياتي، ألم نعرف ان الموتى أحياء عند ربهم يُرزقون، ألا يشعرون بمحبيهم ويتبادلون معهم الأحاسيس والمحبة والذكريات؟! من هذا المنطلق كان حديثي مع الرجل الرمز، سمو الشيخ سعد العبدالله، وكأني به يسألني: كيف حال وطن النهار.. الآن؟!
كيف حال الوطن الذي سالت لأجله دموع أهل الكويت في لحظة ضياعه.. وأيضا في لحظة الفرح بعودته وتحرره؟!
كيف حال الوطن الذي سالت لأجله دماء عزيزة بذلها رجال ونساء، شباب وشيوخ، بدو وحضر، شيعة وسنة؟!
كيف حال الوطن بعد إعماره؟ هل أصبح كما تمنيناه، منارة عربية ثقافية؟ الى أي مدى تطورت ديموقراطيتنا؟ هل أصبح مجلس الأمة برجاله ـ وبنسائه اللائي انضممن إليه حديثا ـ يتبارون من أجل تحقيق مصالح الوطن ورفعته، وهل انعكست تشريعاتهم على تطورنا الديموقراطي وتحقيق الآمال في التنمية والتقدم بما ينعكس على حاضرنا وعلى مستقبل الأجيال المقبلة؟
ارتبكت في حضرة سمو الأمير الوالد، واحترت في الرد على تساؤلاته الكثيرة، كنت أشعر بأنه متلهف لمعرفة كل شيء، وبحجم أحلامه لوطنه أدركت كم سيكون مبلغ أحزانه إذا أنا أخبرته بالحقيقة، لقد شعرت به كما لو كان يتصور اننا نصون الكويت أمانة في أعناقنا، وجعلنا منها درة وعروسا للخليج، كما كان يحلم آباؤنا العظام الذين خططوا لها في القرون الماضية، وأعترف بأنني خفت من أن أصدمه، خفت أن أقول الحقيقة لأبوفهد!
ووجدت نفسي أقول له: قرّ عينا، وابق بأحلامك في السماوات العلا، ودعنا هنا في الكويت نحيا على أرض الواقع، نجاهد ونعمل بلا انقطاع، يحدونا أمل عريض بأننا قد ننجح، وبأن وراء كل ليل طويل فجرا جديدا، سيشرق ضياؤه على أرضنا العزيزة ويرسم البسمات على كل الشفاه الحزينة وسيمدنا بالقوة والطمأنينة لمواجهة العابثين بالوطن.
نم قرير العين أميرنا الوالد ـ طيب الله ثراك ـ وتذكر انني قلت في مقال لي قبل سنوات «لن أبكيك يا بو فهد» فنحن دوما نبكي أحباءنا الذين ماتوا ولم يعد لهم وجود، ولكنك مازلت حيا يا بطل التحرير، صحيح اننا نفتقدك اليوم، صحيح اننا نعيش واقعا جديدا مريرا، نشهد فيه كل يوم ضربا لوحدتنا الوطنية، ونشعر كل يوم بغصة في حلوقنا، خوفا من ان يضيع منا الوطن، إلا اننا أبدا لن نفقد الأمل، وسنظل نستذكر كلماتك وآمالك باستعادة وطننا الصغير من غياهب العدوان، وهو ما كنت واثقا في تحقيقه، وتحريرنا من أسره، لذا لن نفقد الأمل، ولنا في قصتك البطولية من أجل تحريره عبرة وعظة.
أما أنتم أعزائي القراء، فأرجو منكم دائما ان تتذكروا سعدا، فإن لكم في قصته ما سألتم من بطولة وتضحية وإكبار للكويت.
..والعبرة لمن يتعظ!
[email protected]