ناصر الخالدي
طبيعة اعتدت عليها حتى صارت عندي عادة لا استطيع تغييرها وهي أنني لا ألتزم بموعد إفطار أو غداء أو عشاء وأتناول وجبة أو وجبتين فقط في اليوم وليتني في ذلك ملتزم، فلا آكل إلا عندما يهاجمني الجوع ويحاصرني العطش وتضعف قواي ويقف فكري وأصل إلى حالة يرثى لها فأحتار في الاختيار ومن بعد الاختيار تبدأ معاناة الانتظار ثم آكل كالمجنون وأشرب كالصادي وبعد أن افرغ من الأكل أعود إلى عادتي القديمة وكأن شيئا لم يكن، وإذا كان هناك من يأكل في اليوم وجبة واحدة من أجل الرجيم أو الإهمال أو الانشغال فإن هناك من يأكل وجبة واحدة كل يومين وما ذاك إلا بسبب الفقر والحاجة وإذا كان تعدد أصناف الطعام يسبب مشكلة في الاختيار فإن هناك من يعيش على صنف واحد ويأكله بكل سرور، فالحمدلله على هذه النعم وياليتنا نحافظ عليها، فما أجملنا عندما نتذكر الجائعين في أكلنا ونجعل لهم من تعدد الأكلات نصيبا خصوصا إذا كان الطعام من «طبخ الوالدة»!
وما أجملنا عندما نقتصد ونبتعد عن التبذير! فإن كثيرا من ولائم الأعراس شهدت من الإسراف ما لا يوصف لدرجة أنه صار مدعاة للفخر والتباهي عند كثير من الناس وهذه عادة سيئة يشترك فيها الجميع، حيث إننا نعتبر ذلك كرما وجودا فهل وصلنا لدرجة أن يتشابه علينا التبذير والكرم؟
عندما أجوع أتذكر معاناة الجائعين وكيف هي حالتهم مع هذا الألم القاتل ثم إذا ذهب عني الجوع وعدت إلى عافيتي سرعان ما تجدني أنسى ما كنت قد تذكرته ويغيب عن بالي كل ما فكرت فيه وكأني ما جعت ولا ذقت الألم ولا وقفت على أبواب المطاعم انتظر متى يأتي الطلب بفارغ الصبر وها نحن أبناء آدم نتأثر بالغ التأثر ونتوجع لآخر درجات التوجع ونحزن لمنظر البؤساء والفقراء والمساكين ولكننا لا نفعل إلا التأثر وياليتنا عندما نتأثر نساعدهم ونقف معهم كما يفعل البعض، والحمد لله أننا مهما شبعنا تأتي لحظة نجوع فيها، وفيها نتذكر الفقراء، فسبحان الذي قدر الجوع علينا مرات حتى نعتبر وإلا لو شبعت البطون لخابت في الناس الظنون.
بسبب الجوع انهارت دول وتمزقت شعوب وتنازلت عن مبادئها النفوس واختلطت مع بعضها الأمور فهذه صفحات التاريخ تشهد على بشاعة المجاعات وما تخلف من بؤس ووباء ولو عددنا الموارد الموجودة على وجه الأرض لوجدناها تكفي وتزيد ولو ساعد الناس بعضهم البعض لما مات من الجوع أطفال ولما رأينا نساء عفيفات يأكلن من أجسادهن، ولكنه الطمع وحب الذات، فإلى متى يموت الناس بسبب الجوع ونحن نرمي الزائد من الطعام كل يوم؟
لنتعاون معا حتى نكافح الجوع ونبيد الألم ونرسم البسمة على وجوه الجائعين، معا لنترقى بإنسانيتنا ونتعاون مع أصحاب البطون الخالية لعل الله يحمينا من نكبات الأيام ويحفظنا من عثرات الزمن ويبعد عنا المصائب والمتاعب ويحول بيننا وبين الفتن والمحن ويخلصنا من الشهوات والشبهات حتى نعيش بأمن وأمان ونستمتع بالحياة.
بالعقول لا بالأجسام
يا الله ما أضخم الجمل وما أقواه وما أصغر العصفور وما أضعفه ولكن هل أفاد الجمل جسمه الضخم الكبير وهو لا يملك عقلا؟ وهل ضر العصفور جسمه النحيف الصغير وهو في الفضاء الرحب يطير؟
وهذا هو الأسد ملك الغابة وسيدها يصول فيها ويجول ولكن سرعان ما يهلك إذا ما دخلت ذبابة صغيرة في أذنه، إذن العبرة في العقل لا بالجسم وهذه نصيحتي إلى بعض الشباب الذين يعتنون بأجسامهم ويهملون عقولهم ولست أنا من يلومهم على الاعتناء بالجسم فأنتم تعلمون أن العقل السليم في الجسم السليم ولكن بعضهم يستخدم الإبر الضارة وبعض الفيتامينات والبروتينات ويدفع على ذلك أموالا طائلة دون استشارة طبيب أو سماع نصيحة قريب فلماذا يا أيها الشاب الحبيب؟