ناصر الخالدي
تعلمت من دخولي رياض الاطفال ان اللعب جزء من الحياة، وفي السنة الثانية تعلمت ان اللعب حياة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ثم انتقلت الى المرحلة الابتدائية وهناك اكتشفت خطأ ما تعلمت وعرفت اشياء لم تكن بالحسبان وتوالت السنون وانا اجتاز الفصول الدراسية بصحبة القلم الرصاص، الى ان جاءت لحظة الرحيل عن المرحلة، فحملت حقيبتي مودعا المرحلة الابتدائية وحلاوتها ذاهبا الى المتوسطة، انتهى زمن اللامبالاة وجاء زمن الحزم والجد وهكذا تعلمت من المدرسة اشياء كثيرة، تعلمت الكتابة والقراءة وكمّا هائلا من المعلومات منها الادبية ومنها الدينية ومنها السياسية، لكن المدارس على اختلاف مراحلها والكلية باختلاف موادها وتخصصاتها لم تعلمني ما علمتنيه الحياة مدرستنا الام.
فقد علمتني انه مهما طال الحزن فالفرح سيأتي عن قريب، وقد علمتني ان المصالح تجمع كثيرا من البشر لكنه اجتماع مؤقت لا يدوم ولا يبقى على حال واجمل من ذلك لقاء الاحبة الذين لا يجمعهم الا الحب في الله فالمصالح لها بداية ولها نهاية، اما الحب في الله فليس له نهاية.
علمتني الحياة ان الكتب فيها من المتعة الشيء الكثير وانه كلما ضاقت نفسي سافرت على اجنحة الكتب بحثا عن الفائدة وعن كل ما هو جديد من القصص والملاحم والسير والتراجم واخبار العرب النوابغ، فكم حذرتني من الجهل وقالت لي انه للحياة عدو اما العلم فعلمتني انه نبضها ومصدر استمرارها.
علمتني الحياة ان الاصدقاء في وقت الرخاء والطمأنينة اكثر مما يتصور احد، ولكنك لا تجد منهم الا القليل عندما تستدعي الظروف وتتأزم الامور، ثم اوصتني باختيار الصديق المخلص والابتعاد عن اصدقاء السوء وما يجرون من وبال عظيم.
علمتني الحياة ان المرأة مصدر السعادة اذا كانت من الصلاح قريبة وعلمتني ان الفطرة البشرية تتطلب الاقتران بامرأة ولكنها قالت لي: اسمع يا ولدي لا تقترن الا بالحلال، وهمست في اذني قائلة: ابحث عن الطاهرة العفيفة التي ترضى بأوجاعك وآلامك وتريدك لذاتك واذا وجدتها فتزوجها، فالحر لا يرضى ان يقترن الا بالحلال.
علمتني الحياة ان اساعد الفقراء وانفق ما عندي دون خوف او تردد ثم قالت لي يا ولدي لا تحزن فالله معك، ولا تخف من حقد الحاقدين ولا من ظلم الظالمين واستوقفتني لتقول لي عليك بالصدق فالصدق من شيم الرجال واحذر من الكذب فانه عليك يوم القيامة وبال.
علمتني الحياة ان الاستجوابات من ضروريات مجلس الامة وانه من الصعب ان يبقى الوزير في مكانه، وانه لابد من الوساطة، وان القبلية امر لابد منه، لكنها حذرتني من كل هذه الاشياء، واخيرا علمتني انه لا يتحمل اخطائي احد غيري.
علمتني الحياة انه من السياسة الابتعاد عن السياسة وقالت لي كن مثل الشجرة اذا رماها الناس بالحجارة اعطتهم اجود الثمر وقالت لي يجب ان تتلقى الشتائم وكأنها البردي الذي يتساقط على كتفك ثم يسقط على الارض فتدوسه بقدمك وتكمل المشوار، وعلمتني ان هناك الكثير من المخلصين الذين لا يريدون الا ان يعيشوا من اجل السلام، علمتني وعلمتني.. وما زلت اتعلم.
جولة
اتمنى ان تعود مكانة المعلم كما كانت عليه في السابق وكذلك مكانة الشرطي ومكانة الطبيب فكل هؤلاء يستحقون الاحترام والتقدير، فهم اشبه بالشموع التي تحترق لتضيء للآخرين، فعلينا ان نقدر ذلك جيدا حتى يستمر العطاء.