ناصر الخالدي
قمة العقل أن يتعلم الإنسان من أخطاء غيره وان يكون في غاية الحذر من السقوط والزلل وهذه أشياء لا تجدها إلا عند أصحاب الهمم العالية والنفوس السامية الذين يعيشون من أجل التعلم ومن أجل البذل والعطاء، والأحداث التي تعصف بنا بداخلها العديد من الدروس والعبر التي لا يتعلم منها إلا قلة من الناس، ولا شك أن هذه القلة إما أنها تفعل ذلك خوفـا من الضياع وإما خوفـا من الله، وما أبعد الخوف الأول عن الخوف الثاني والأصل في المؤمن إحسان الظن.
بعد حريق مستشفى الجهراء قام وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الأخ محمد الكندري بزيارة مجمع دور الرعاية وتفقد وضع الأمن والسلامة بداخله، ولا شك أن القيام بزيارة هذا المجمع الذي يحتوي على دار للمعاقين ودار للمسنين ودار للأحداث، وغيرها من الدور هي زيارة في غاية الأهمية لان نزلاء هذه الدور في أمس الحاجة إلى من يقف بجانبهم ويعطف عليهم ويسعى لإسعادهم وإضفاء البهجة على أرواحهم وهذا أمر في غاية الإنسانية ولعلنا نتحدث بشكل سريع عن كل دار وماذا تحتاج، آملين في أن نجد من يتفاعل معنا لأننا كتبنا أكثر من مرة في هذا الشأن.
لعل من الضرورة ان ابدأ بالحديث عن دار المعاقين لأنها تحتضن فئة عزيزة على قلوبنا وقد شرفنا الله تعالى بالعمل التطوعي معهم فترة من الزمن وكانت تلك الفترة من أجمل فترات عمري لما رأيت منهم من حسن المعاشرة ولطيف المعاملة وإن كانت العلاقات في بعض اللحظات يعتريها شيء من الزعل إلا أن المياه سرعان ما كانت تعود إلى مجاريها، ودار المعاقين هذه التي أتحدث الآن عنها لي فيها صولات وجولات، يلفت انتباهي هذا، ويشدني ذاك، وأستعجب من كلام هذا ومن تصرفات ذاك، وكلهم لا تجد منهم إلا المحبة والأنس وكنت أتمنى أن تتطور الدار بحيث تكون على شكل منزل وتكون في أجواء أسرية بعيدا عن الكآبة وعن الوحشة والملل وكنت دائمـا أقول: اللهم امنحهم من يخافك ويتقيك فيرعاهم من أجلك يا رحمن يا رحيم، وأذكر أني ذات مرة تخيلت لو ان هذه الدار بنيت في مكان آخر وبطريقة أخرى وفي تلك الفترة كانت لهم أنشطة وفقرات ليتها تعود.
أما دار الأحداث فكثيرا ما كانت تغريني هذه الدار وكنت اسأل عن حرية هؤلاء الشبان الذين بداخلها، كيف تقيدت وما هو السبب؟ وقد شاء الله ان أدخلها وألتقي بأحد المسؤولين فيها وقد أعطاني كل ما أريد من معلومات وأتحفني بكثير من القصص والحكايات كلها بلا استثناء تحمل طابع الحزن والألم، وهذه الدار بأمس الحاجة إلى دورات مكثفة لنشر الوعي ومنع الجريمة كما أنها بحاجة إلى اختصاصيين يديرون العمل لا يكون هدفهم الراحة فقط والأهم من هذا كله أن يخضع الحدث إلى برنامج متكامل، فللأسف قد يدخل بجريمة سرقة ويعود بجريمة قتل.
ولا أجد مفرا من الحديث عن دار المسنين، هذه الدار التي تذكرني بفصل الشتاء وتساقط الأمطار، لأنني عشت فيها هذه الأجواء وأذكر أن هذه الدار يسكنها آباء وأمهات صنعوا لنا مجدا وبنوا لنا دولة وأسسوا لنا تاريخا، ففي وجوههم ملامح الكفاح والعطاء والحق، إن هذه الدار تحتاج إلى من ينسفها ويعيد بناءها من جديد ففيها الوحشة والبلى وفيها الضيق والضنك، لأنها صممت بشكل لا أبالغ إذا قلت انه خاطئ وأنه مدعاة للحزن، فهي تفتقر للحدائق الغناء حتى ينعم الآباء والأمهات بتغريد الطيور وحفيف الأشجار وهذه الأمنية أسهل ما تكون ولا يحول بيننا وبينها إلا اتصال على أحد المشاتل، فيا رب اجعل هذا الاتصال قريبا، وليت هذه الدار تبنى من جديد وبشكل يليق بالآباء والأمهات.
ومهما كثرت الأخطاء والعثرات فلاشك أن هناك جوانب مضيئة ونحن نسلط الضوء على العيوب حتى نتفاداها جميعـا من أجل مستقبل أفضل لهؤلاء النزلاء، الذين يحتاجون، من بعد الله تعالى، إلى من يقف بجانبهم، فتخيل صرخة رجل طاعن في السن في آناء الليل يشتكي البرد القارص أو الحر الموجع، وتخيل طفلة معاقة وهي تتوجع من الألم ولا تجد من يصبرها أو يقف إلى جانبها في مرضها، أو تخيل حدثا يرتكب جريمة فيندم ويعزم على التوبة والرجوع فلا يجد من يشجعه ويأخذ بيده، ولو كان أحدهم قريبا لك فماذا ستفعل؟ ليتنا نرحم ضعفهم حتى يرحم الله ضعفنا وليتنا نقف إلى جانبهم حتى يقف الله إلى جانبنا وليتنا نزهد في هذه الدنيا حتى نفوز بالآخرة.
ولعل الحديث عن مجمع دور الرعاية يطول إلا أننا نثق بالجهود المبذولة والمساعي الحثيثة لتطوير هذا المجمع، وبحسب ما سمعنا وما عرفنا فإن هناك تدويرا في قطاع الرعاية نأمل أن يكون هذا التدوير بمستوى الطموح وان يكون بناء على الكفاءة والخبرة وحب العمل.
«جولة»
التجاوزات في بعض الجمعيات التعاونية فوق ما يتصور أحد، ولا أدري عن الآلية المتبعة في التعيين فيها، عمومـا بإذن الله تعالى سنناقش هذا في المستقبل القريب.