ناصر الخالدي
أحببته مع أنني لا أعرفه معرفة شخصية وحتى هو لا يعرفني ولكنه صورة مشرفة تستحق أن يلقي عليها الواحد منا النظرة تلو النظرة ليتعلم «لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس» إنه طالب في إحدى الجامعات العربية يعمل في الليل بالفرن هناك حيث النار بحرارتها ولهيبها وحيث الزبائن والطلبات التي لا تنتهي، ليس هذا فقط بل مع الطحين ورائحة المعجنات ولكنها وظيفته التي يعيش من ورائها بشرف ويكفيه فخرا أنه يأكل من كسب يده محتملا حرارة الفرن وظروف الحياة.
الذي أعجبني في هذا الشاب المسلم العربي المبدع أنه يغسل يده من آثار الطحين ومن رائحة الخبز كل صباح ليذهب إلى الجامعة ويتلقى الدرس بكل إصرار مفتخرا بوظيفته معتزا بهويته غير مبال بالظروف التي تحيط به من كل الاتجاهات.
شاب مثقف واع ملتزم خلوق متدين يدرس في قسم العلوم السياسية، وبين الفرن الذي يعمل فيه والنظريات السياسية التي يدرسها علاقة غريبة فالنيران بإمكانها أن تحرق كل النظريات الخاطئة وما أكثرها ليستريح العالم من وطأة الظلم ومن قهر المعاناة لكن كل هذا يحتاج إلى عقل وقرار ووقت مناسب وفرصة أكثر تناسبا.
إذا كان هناك مئات من الشبان العرب في براثين الفشل والتخبط والانحلال فإن هناك آلافا من المبدعين والعباقرة في جميع المجالات كل ما ينقصهم هو وجود الفرصة ولأنها لا يمكن أن تأتي في وضعنا الحالي فعليهم أن يصنعوا هذه الفرصة بأنفسهم قبل فوات الأوان، وأتمنى أن يتم احتضان هؤلاء المبدعين قبل أن تحضنهم الشوارع أو تغريهم دول الغرب فنحن اولى بإبداعاتهم.