ناصر حمد الخالدي
في وقت لا نحتمل فيه أزمات ولا خلافات ظهرت علينا قضية المطالبة بتعديل مناهج التربية الإسلامية لتظهر معها صراعات عنيفة بعيدة عن تحكيم العقل والمنطق والرجوع إلى الكتاب والسنة، إن استمر الحال على ما هو عليه فستكون حربا طائفية كفيلة بتدمير البلاد والعباد ليضيع مستقبلنا جميعا، ولن تجعلنا هذه الطائفية إلا أكثر ضعفا وأكثر انهزاما وسنقاتل بعضنا البعض بسبب فتنة المطالبة بتعديل المناهج التي أبصرنا النور عليها، تعلمناها فلم نجد فيها ما يتعارض مع الفطرة السليمة ولا ما يسبب تجريحا أو تنغيصا، وإلا فلماذا الصمت طيلة السنوات الماضية، فالمطالبة بتعديل المناهج فتنة طال شرها وعظم خطرها ليتعرض بعض من العلماء والشيوخ الفضلاء وكان شيخ الإسلام ابن تيمية من بينهم وهو الذي قال عندما كان في السجن «أنا أمهل من يخالفني ثلاث سنين إن جاء بحرف واحد عن أحد أئمة القرون الثلاثة يخالف ما قلته فأنا أقر بذلك ومن جالسني يعلم أني من أعظم الناس نهيا عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرا تارة وفاسقا تارة أخرى وعاصيا أخرى، وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها، فلا عيب في البحث والمطالعة لكن العيب كل العيب بالجهل والمغالطة التي إن شاء الله أبعد ما نكون عنها جميعا لتفادي هذه الفتنة».
ومن عجيب ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية ردا على من يخالفه ويتهمه «هذا وأنا في سعة صدر لمن يخالفني فإنه وإن تعدى حدود الله فيّ بتكفير أو تفسيق أو افتراء أو عصبية جاهلية فأنا لا أتعدى حدود الله فيه بل أضبط ما أقوله وأفعله وأزنه بميزان العدل وأجعله مؤتما بالكتاب الذي أنزله الله وجعله هدى للناس» إن من يقول مثل هذا الكلام لا يمكن أن يأمر الناس بالتكفير أو العصبية الجاهلية وأما الإشكال الذي هو قائم حول المناهج فكله يدور في فلك التوحيد الخالص لله الواحد القهار ولا أرى في هذا ما يدعو إلى المطالبة بالتغير فما الغريب بعدم جواز التوسل بالأموات سواء كانوا أنبياء أو أولياء صالحين هذا النهي يقبله العقل ويوافقه الكتاب وتؤكده السنة تماما مثل الطواف حول القبور والذبح لغير الله وشد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة وغير ذلك من الأمور التي تعارض التوحيد وكل هذه الأمور لو ناقشت فيها طفلا صغيرا تخرج في الابتدائية بالأمس لرأيته يوافقك على عدم جوازها لأنها بالنسبة له غير مقبولة، فالدنانير التي تكب على الأضرحة، بطون الفقراء أولى بها، والأصوات التي تبح عند قبور الأولياء الأجدر والأولى أن يسمعها خالقها وكل عبادة تصرف لغير الله فالأولى أن تكون لله خالصة وهذه هي الإشكالية الكبرى بين من يؤيد بقاء المناهج على حالها ومن يدعو إلى تغييرها، فأيهما كان أقرب إلى الحق والحقيقة؟ أجدر بنا أن نتبعه ولا نجعل القضية مجرد أجندة سياسية أو انتصار لهوى أو محاولة لاستعراض عضلات.
وزارة التربية لا يمكنها أن ترضي الطرفين لأمرين الأول لأنها مأمورة بأن تتحرى رضا الله ورسوله والثاني أنه وكما قال الشافعي إرضاء الناس غاية لا تدرك، وهي لم تضع مناهجها إلا بعد دراسة من أهل العلم والتخصص مما يتناسب مع اعتقاد الدولة فأخمدوا نار الفتنة ودعوها فإنها نتنة لا خير فيها والعدول عنها إلى الحق أفضل من الخوض فيها على الباطل.
قال رجل: «كنت امشي مع سفيان بن عيينة إذ أتاه سائل فسأله فلم يكن معه ما يعطيه فبكى فقلت يا أبا محمد ما الذي أبكاك؟ قال أي مصيبة أعظم من أن يأمل فيك رجل خيرا فلا يصيبه».