رسم سوق المباركية لنفسه موقعا جغرافيا سياحيا بامتياز انفرد به عن الأسواق الأخرى، بل انه وجد (بالفطرة).
لطبيعته، بعثرة دكاكينه القديمة، مقاه هنا وهناك تزكي الأنوف برائحة شاي الفحم المطعم بالهيل والزعفران يشكل تواجد رواده صورة فريدة تعبر عن زمن مضى لن يعود، يحيكون نسيج الذكريات بجلوسهم المعتاد بعفوية تعيد لأطفالنا هيبة عجوز المنزل ووقاره، ممرات متعرجة منها الضيقة والفسيحة تزينت حوائطها وزواياها ببصمات فريدة تدل على عراقة المكان وقيمته التراثية فتختال صرخات الهول واليامال، يحكي صداها تاريخ ومعاناة الأجداد والآباء، دكاكين تحتفظ بعبق ذكريات الماضي، خطوط الزمن ومقاومة لواهيب الصيف مرسومة على وجوه الباعة.
يعزز من قيمة السوق موقعه الاستراتيجي، نوع البضائع وأسعارها التنافسية الرخيصة تجذب زواره، مطاعمه المتنوعة يصعب على الجميع مقاومة ما تقدم قوائمها من لذيذ الطعام.
قصة تحول هذا السوق إلى موقع سياحي بدأت عندما قامت بلدية الكويت مشكورة بتجميل السوق وصيانته، رصف الممرات الرئيسة، صيانة الأرصفة المهترئة، تغطية أسقفه بـ«الصفيح» لتشمل جميع ممرات أسواق المباركية (سوق الحريم، سوق واجف، شارع الغربللي، السوق الأبيض، سوق ألجت، سوق البوالطو، سوق السلاح، سوق الصفافير، سوق الحلوى.. الخ) حيث ساهمت الأسقف الجديدة في ربط تلك الأسواق بعضها ببعض وسميت مجازا بسوق المباركية ثم استدرك المسؤولون - على ما يبدو- فنصبوا لافتات إرشادية توضح اسماء الاسواق كما سبق ذكره
تنامى واشتهر سوق المباركية سياحيا على المستوى المحلي والخليجي حتى بات قبلة يقصدها الجميع.
يقول احد الخليجيين لقد شاعت لدينا مقولة اذا (رحت الكويت ولم تزور سوق المباركية كأنك ما رحت الكويت) وهذه دلالة على تحول هذا السوق إلى نافذة يطل منها الكويت.
مع تنامي هذا الدور يوما بعد يوم، واستمرار ما يقدمه هذا السوق من حقائق تراثية وثقافية تستدل الأجيال تلو الأخرى على عمق هوية مجتمعهم وأصالته، يفاجأ أصحاب بعض المحلات وكذا رواد هذا السوق «احدهم كاتب السطور» قيام احدى الجهات الرسمية بتوزيع إنذارات تطلب من أصحابها إخلاءها بغرض هدمها! خاصة المحلات التي تحتفظ بين جدرانها أغلى وأثمن تراث يعكس احد اهم جوانب هويتنا المعمارية (المحلات المبنية من صخر البحر وأسقفها من الچندل والباسچيل) لتحافظ على الدليل الأوحد على تراث الأسواق القديمة وبهويته، قوبلت الإنذارات برفض شديد من اصحاب هذه المحلات ورفعوا شكواهم الى من يهمه أمر تاريخ الكويت وتراثها وهويتها، وبعد جهد جهيد توقف المسؤولون آنذاك عن مطالبتهم بإخلاء المحلات وهدمها، وتنفس الجميع الصعداء وشكرنا الله على حماية ما تبقى من تراثنا الذي لا يقدر بثمن، حتى توجت الجهود الخيرة (لو خليت لخربت) بإدراج سوق المباركية ضمن المواقع التراثية.
مرت سنوات لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة عن فكرة الهدم لأكثر المحلات معنى وقيمة للتراث، لتعاود نفس الجهة في اغسطس الماضي القيام بتوزيع خطابات رسمية على نفس المحلات تطلب إخلاءها خلال شهر بغرض هدمها! مما يزيد الأمر غرابة وحيرة حول المعنى والقصد من الهدم في الوقت الذي تجرم العديد من الدول من يمس التراث أو التاريخ أو يعرضهما للخطر.
لقد مرت خمسة من الشهور على توجيه خطابات اخلاء بعض محلات المباركية حتى الآن.. هل من توضيح أو رد يبرر أو نستدرك منه ما هو اكثر معنى واهمية لهذا القرار العبقري بهدم سوق المباركية؟