«ما ادري شنو» صاير في بعض مجالس العزاء «عندنا» في الكويت.
لقد تنامت ظاهرة غريبة تستفحل يوما بعد يوم، آخذة في إحداث تغير سلبي في سلوكيات وعادات المجتمع الكويتي تتمثل في الآتي:
قبل الدخول لبعض دواوين «مجالس» العزاء بغرض تقديم واجب تعزية ذوي المتوفى وأحبابه تستقبلك صيحاتهم وضحكاتهم، فتزعج مسامعك وتثقل خطاك وتزداد شكوكك بصحة المقصد والهدف، في الوقت الذي يفترض ان يتهيأ المكان بأجواء تناسب وتعكس حالة فقدان عزيز انتقل الى جوار ربه قبل ساعات وشيع لمثواه الأخير قبل مغيب شمس اليوم، حينها يتهيأ المعزون لمشاطرة ذوي المتوفى أحزانهم ويتفاعلون بالمشاركة الوجدانية الصادقة التي تسهم في تخفيف ألم الفراق والأحزان لما لهذه المشاركة من دور فاعل في مواجهة حالة فراق ذلك الحبيب الذي لم يجف تراب قبره، وتزيل لواهيب صيف الكويت آثار خطوات مشيعيه.
تدخل باب الديوانية، يقف الجميع لتحيتك وقبول واجب التعازي، يبادلونك التحية بأحسن منها، ينثرون الثناء والتقدير والترحيب لتسبق خطواتك، يجلسونك بصدر المجلس، يبدون لك أقصى درجات التفاعل الوجداني النابع من القلب والمتوجه الى القلب، إحساسك المفتعل بالحزن يسابق مشاعر الود التي تبديها بتخفيف معاناتهم، فتنتشي عطفا بالدور الإنساني الذي تقوم فيه، يقطعه «هذرة» اثنين منهم يتهامسان على انفراد منشغلين بالتطورات السياسية العالمية! وانتخابات جزر الواق الواق، تتعالى ضحكات آخرين في الزاوية الأخرى من المجلس على نكات أطلقها «خفيف الدم منهم» يتشجع الإخوة في أول صفوف المعزين على فك حصار الحديث فيما بينهم بعد الانتهاء من استقبالك وإبداء مشاعر التقدير والثناء لك على طيب مشاعرك الفياضة! تشعرك تلك الفوضى والهمسات التي تسيطر على مجلس العزاء بالرغبة في مشاركتهم حتى لا ينفرد سلوكك بمشاعر الحزن والأسى!
يدخل «واحد» كان متمتعا بقسط من الراحة ليكمل «سالفته» التي قطعها اشتياقه لتدخين «سيجارة على الطاير» وهو مشغول بالحديث مع احدهم عبر هاتفه النقال، تتعالى ضحكاته الساخرة فيضج المكان فوضى ضحك وصراخ ينقلك إلى أجواء دواوين المساء اليومية المعتادة التي يعج بعضها بـ«غشمرة» شباب وشياب دواوين مخضرمين.
تنتابك حينها غلق الجلوس بينهم وبالمشاركة الوجدانية التي أجبرتك عاداتك الكويتية على القيام بها.
تبدي استعدادك بمغادرة المجلس. «أحسن الله عزاكم» تقولها وسط فوضى كلام اختلطت حروفه حتى فقدت معانيها او حتى فهم ما بين سطورها، حتما لا تنتظر الرد عليك بعبارة «جزاك الله خير»، تغادر الديوان غريبا باتجاه سيارتك وسط زحمة قدوم معزين آخرين ومثلهم مغادرون المكان، يحمل بعضهم بأيديهم «بطل» ماء، ولسان الحال «لهم الصبر والسلوان ولميتهم الرحمة وحسن العزاء»!!
ملاحظة: ليس لدي اي فكرة عن عزاء الحريم!