نرمين الحوطي
الفن أقوى مظاهر الحياة بروزا وأشدها حساسية فهو تعبير عنها وتصوير لحوادثها وتطوراتها في جميع ما يتصل بالنفس البشرية، من عواطفها وميولها، وبالمجتمع في شدته ورخائه، وبالأمة في سلمها وحربها وفي جميع أحوالها.
والفن هو الصوت الذي تعبّر به الانسانية في نزعاتها الشعورية واللاشعورية واعتقاداتها الايجابية، وهو المظهر الذي يتمثل في دقة المدنيات المختلفة وبين حالات الانسان النفسية المتتابعة.
والموسيقى جزء من أهم اجزاء الفن، فهي ضرورة من ضروريات الحياة، يلجأ اليها الانسان قسرا دون تعمّد، فيجد فيها واحة وارفة الظلال تقيه لفحة الرمضاء وتطفئ ظمأه بأعذب ورد وأشهى سلسبيل. فالموسيقى في كل عصر، مرآته التي لا تكذب في الدلالة عليه، تنجلي فيها حضارة هذا الشعب ومدى ما وصل اليه من رقي وعزة وازدهار.
قال الحكيم الصيني «كونفوشيوس» الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد «اذا أردت ان تتعرف في بلد ما إلى نوع ارادته ومبلغ حظه من المدنية، فاستمع الى موسيقاه».
وقد جعل «افلاطون» كبير فلاسفة اليونان الموسيقى احدى قواعد جمهوريته، قال: «يجب ان نستخدم الموسيقى في خدمة الدولة كسائر الفنون الأخرى والرأي القائل بأن الموسيقى اداة لهو وطرب رأي فاسد خاطئ».
وقال «غوته» الشاعر الخالد: «من يرغب عن الموسيقى لا يستحق ان يسمى انسانا، ومن يقتصر على حبها فهو نصف انسان، اما من يزاولها فهو الانسان الكامل».
وليس ادل على ما للموسيقى من اثر بعيد، من الكهنة في عهد قدماء المصريين، حيث فرضوا سلطانهم على الشعب واختاروا له ما يتغنى به ليوجهوه الى الكمال المنشود. وكانت الأغنية وسيلتهم في ذلك، كما استخدموها في نشر العلم والفن والأدب قبل ان يهتدوا الى معرفة القراءة والكتابة.
وهؤلاء هم خلفاء الاسلام وولاته وجدوا في الغناء الذي يعتبر فرعا أساسيا من الموسيقى غذاء للروح وصقلا للعقل، بل تقوية للغة ايضا، فقربوا أهله بل اندمجوا هم أنفسهم في الغناء وأكسبوا هذه الصناعة جلالا، بل نجد خروج المقامات وابداعاتها في تلك الآونة حيث كتب التاريخ فيها الكثير مما كان من أمر الوليد بن عبدالملك وابراهيم بن المهدي واخته.
ان الموسيقى تحمل مكانة رفيعة، فنجد في العصور الوسطى قوة ارتباطها مع الكنيسة في الدول الأوروبية ارتباطا وثيقا، فمعظم اسرارها كان وقفا على رجال الدين.
وقد كرّم الشرق والغرب أعلامه من الموسيقيين وبذل لهم الكثير من التقدير، فموزارت، بتهوفن، شوبان، فاغنر، تشايكوفسكي، وغيرهم من رواد الموسيقى الذين ستظل الأجيال تردد موسيقاهم الخالدة، كانت لهم من بلادهم مكانة لا تدانيها مكانة، وتقدير يسمو على كل تقدير.
وكما كانت الموسيقى مع مصاحبة الكلمات سلاحا من أسلحة المعارك الوطنية، كانت كذلك نشيدا عذبا يتغنى به أبناء البلاد لمجدها ورقيها وحضارتها.
ولا ننسى الموسيقى العاطفية التي توجد في كل وقت وعند كل شعب حيث ان الحب هو الشيء الوحيد الذي يربط العالم كله وهو نشيد الأمل والحياة وغذاء الروح والقلب والسمع جميعا.