نرمين الحوطي
الفن هو خير دواء للخيال المبدع ولكن ماذا لو كان هذا الفن في حالة احتضار؟ هذا ما لمسته من المسرحيات التي شاهدتها في المهرجان التجريبي في دورته العشرين في القاهرة، شعرت كما لو ان جميع المسرحيات دخلت لهذا المهرجان لتنعى حالتها سواء اكانت اجتماعية أم اقتصادية أم سياسية، وعندما فازت مسرحية «قهوة سادة» بجائزة افضل مخرج رغم انها كانت من المسرحيات المرشحة لافضل عرض، كان قرار اللجنة المحكمة صائبا لاختيار هذا العرض، واعتقد ان سبب اختيارهم لهذا العرض انه الافضل لما تناولته المسرحية من تيمة جميلة جدا لانه العرض الوحيد الذي نعى حال الفن بجميع فروعه، بل اوضح لنا ان الفن في حالة احتضار وانهيار، فبالفعل اصاب المخرج في اختياره لتيمته، حيث انه مؤلف العرض ايضا وهو المبدع خالد جلال.
«قهوة سادة» عرض مسرحي يحتوي على الكوميديا السوداء، وبرغم تميزه الا انه عرض بسيط واقصد هنا بكلمة بسيط اي انه لا يحتوي على المعقدات الفنية او الفكرية، عرض يستطيع الجميع فهمه وتفهم قضيته، التيمة الرئيسية للعرض موضوع الكل يتناقش فيه، بل كثر عليه الجدال في هذه الآونة، وهو اين الفن الحقيقي؟ وكيف وصل الى حالة الركود والموت؟
«قهوة سادة» ناقشت هذه القضية من خلال دخول الممثلين وهم يحملون صورا فوتوغرافية على شكل «بوسترات» لرواد الحركة الفنية السابقين لجميع فئات الفن سواء كان مسرحا او فكرا او سينما ..الخ في مصر، كان هذا الدخول كما لو انه جنازة وكان بالفعل للمتلقي جرس تنبيه ليحيا بهذه الذكرى ويتذكر امجاده، فبالرغم من ان الصور لفنانين ينتمون الى دولة مصر فإننا عندما شاهدناها باختلاف جنسياتنا شعرنا بهذه الحالة وهي دقات الاجراس في اذهاننا لتذكرنا بمبدعي دولتنا، وهنا اصاب المخرج والمؤلف في توصيل الفكرة.
فالفن يبحث عن نقطة الصدق التي تكون له نقطة البداية التي يستطيع من خلالها توصيل فنه وهذا ما حدث بالفعل، لان المخرج باختياره في بادئ الامر لاسم المسرحية «قهوة سادة»، كما لو انها دعوة لنا الى حالة عزاء، وبدخولنا للعرض ومن بداية دخول الممثلين بهذه الطريقة كانت هذه نقطة الصدق التي نتحدث عنها، وهنا كان العرض بالفعل من بدايته صادقا لتيمته وكيفية معالجته الفنية لها.
الفن الحقيقي ليس ان تقول الشيء الصحيح فقط، لان الفن الحقيقي لابد ان يصاحبه الابداع، والابداع هو ان تشير الى الخطأ بطريقة لا تخدش مشاعر المشاهد، وهذا ما لمسناه في العرض، فقد قام المخرج بعرض قضيته بصدق وابداع دون ان يخدش مشاعر المتلقي، بل نجد ان «قهوة سادة» جعلت المشاهد يتأمل وهذا ما فقدناه في الآونة الاخيرة في فنوننا، جميل جدا ان تجد عرضا يجعل فكرك يتعايش مع حواسك وهنا تكون قد وصلت الى قمة التمتع الفني، وهذا ما حدث لنا عندما شاهدنا «قهوة سادة».